24 ساعة ـ متابعة
على غرار كل ربوع الوطن وبحكم الموقع الجغرافي للمملكة, ظلت منطقة الريف بالشمال المغربي محط أطماع أجنبية وأمبريالية. لكن ساكنتها كانت لها بالمرصاد بفضل رجالاتها ومقاوميها من مثال محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي قاد ثورة لا نظير لها في العالم ضد الاستعمار الاسباني جسدت التلاحم بين المغاربة.
ولتسليط الضوء على هذه المقاومة الوطنية, تقدم جريدة “24 ساعة ” لقرائها بمناسبة شهر رمضان الأبرك فصولا من تلك المعارك الجهادية وتأثيراتها وهي مستقاة من من كتاب ” محمد بن عبد الكريم الخطابي من القبيلة الى الوطن” لمؤلفه الاعلامي ووزير الاتصال الراحل محمد العربي المساري والصادر سنة 2012 عن المركز الثقافي العربي, والذي يجيب عن ” بعض التشويش الفكري الذي يصاحب اليوم المسألة الريفية برمتها. وكما يقول فانه “في زمن الوسوسة بالنعرات يجب أن نستمع الى صوت الخطابي وهو يدعو الى الارتقاء بفكرنا السياسي من نطاق الجزء الى مستوى الكل. من الاقليمية الانعزالية الى أفق الوطن الذي يستوعب الجميع, والذي لا غنى فيه عن أحد” / ص:8/.
الحلقة الرابعة :
الخطابي طراز جديد من الزعامة السياسية المغربية
بقيام الثورة الريفية بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي ما بين 1921- 1926 ظهر طراز جديد من الزعامة السياسية المغربية. كان الممثلون لأهل “الحل والعقد” ينحدرون من أوساط القياد الاقطاعيين الذين غالبا ما كانوا يشترون مناصبهم, بعد التقوي بالعصبية العائلية أو القبلية, أو ينبعون في المراكز الحضرية وامتداداتها بالمناطق القروية , من رجال الزوايا والأشراف ووجهاء من تجار وعلماء, ممن يكتسون صيتا في بيئاتهم وتصبح لهم كلمة ذات اعتبار. والوظيفة الطبيعية هي دائما ممارسة نفوذ او معارضة نفوذ.
وفي غمرة يمكن أن تظهر دعوة تلقى قدرا من الاستجابة في الوسط, تستمد وقودها من مثابرة تنم عن مواهب قيادية. وقد يصل الأمر الى حمل فكرة سياسية او فكرية تكون هي أساس خطاب يوجهه القائد الى الجماهير فتوليه ثقتها ويصبح هو الناطق باسمها لمدى زمني يطول أو يقصر, وفي نطاق جغرافي محصور في نطاق قبيلة أو يتسع فيشمل مناطق أرحب.
ولم تخرج قيادة بن عبد الكريم الخطابي عن هذه الملامح العامة, فهو سليل بين رياسة, وهو اسم علم في وسطه, وهو متقمص لدعوة , ولكنه حامل للواء في حرب رهاناتها ذات طبيعة شمولية, والعلاقة التي بينه وبين مرؤوسيه ذات طبيعة مختلفة عما كان مألوفا من قبل. وتظهر جدة الطراز الذي أفرزته حركة الخطابي, حينما نذكر بطراز القيادة التقليدية, وبمقارنته بغيره من قادة الرأي والفعل في الفترة التي ظهر فيها. وبسبب تميز قيادته وقع تفاعل سريع بين القائد ومحيطه, نظرا الى الحاجة التي أحس بها المجتمع والى المزايا التي تمثلت في القائد. ونتج عن ذلك مزيج يتمثل في مقولة كيف تكونون يولى عليكم, وبمقولة الناس على دين أمرائهم.
في العشرينيات من القرن الماضي كانت الجيوش الاسبانية والفرنسية تحاول بسط نفوذها في مختلف النواحي المغربية. كانت ناحية الغرب وما حوالي فاس واقليم الشاوية وما حوالي مراكش وقبائل المغرب الشرقي, منذ أن نزل ليوطي في وجدة وأجزاء من الشمال الغربي منذ نزول سيلفستري في العرائش, قد أخضعت للقوات الاجنبية, وكان يحدث لأول مرة في تاريخ المغرب أن تصل جيوش أجنبية الى مناطق بعيدة عن السواحل , ورغم فرض الحماية واكتساب الجيوش الفرنسية والاسبانية صفة للتدخل “باسم السلطان”, بقيت مناطق الأطلس الكبير والصحراء والشطر الشرقي من سلسلة جبال الريف غير خاضعة للسلطة الجديدة المفروضة بحكم عقد الحماية.
في الشمال كان الاسبان يتقدمون بصعوبة لاكتساح الفضاء الموكول لهم بمقتضى العقد الموكول لهم بمقتضى العقد المبرم بينهم وبين الفرنسيين , وذلك بالانطلاق من مواقعهم في كل من سبتة ومليلية وهما “موقعا سيادة” منذ قرون, ثم انطلاقا من العرائش التي نزلوا فيها اسوة بما فعل الفرنسيون بوجدة. وأصبحت تحت اشرافهم مناطق صغيرة معزولة. فهم لم يدخلوا تطوان الا في فبراير 1913 , وظل وجودهم محصورا في داخل أسوار المدينة لمدة, ولم يستطيعوا الوصول الى موقع فندق العين الجديدة على الطريق بين تطوان وطنجة الذي يبعد عن تكوان ب 25 كلم الا في سنة 1919, بعد سبع سنوات من فرض الحماية اسميا على منطقة نفوذهم في الشمال, بينما طال الأمر الى منتصف الثلاثينيات في المناطق الصحراوية بالجنوب, حيث اعترفت لهم فيها فرنسا باسم الاوروبيين بمنطقة نفوذ.
ومعلوم أن قوات فرنسا واسبانيا كانت تصطدم في تقدمها الحثيت بمقاومة ملموسة تخف أو تشتد حسب المقومات المادية الموجودة هنا وهناك. وكان مصدر المقاومة هو تمنع الجماهير من أن تقع تحت حمم الأجانب بما ينطوي عليه من تهديد لعقيدتها وتحدي لتقاليدها . وعلى غرار الهيبة في الجنوب فان الاعتقاد الذي ساد هو أن صاحب الأمر انما سلم بالوجود الأجنبي في معاهدة فاس, بسبب الضغط الذي تعرض له, ولم يكن ذلك التسليم عن طيب خاطر, فوجبت المقاومة على من استطاع الى ذلك سبيلا.
وكان هنا قياد في بعض الجهات لهم صلاحيات ومتوارثة لم يسعهم الا ان يحركوا الجمهور للنهوض لمقاومة الزحف الأوروبي دفاعا غريزيا عن النفس, لصد محتلين أجانب سيوجهون الأمور الى مصالحهم هم. فكان أولئك القياد يحرضون على المقاومة ضد الحكم الجديد غيرة منهم على سلطتهم, ولكن بأشد مما كانوا يصنعون من قبل حينما كانوا يحملون السلاح ضد جيرانهم او أحيانا حتى ضد المخزن الذي يدينون بشرعه.