24 ساعة-متابعة
على غرار كل ربوع الوطن وبحكم الموقع الجغرافي للمملكة, ظلت منطقة الريف بالشمال المغربي محط أطماع أجنبية وأمبريالية. لكن ساكنتها كانت لها بالمرصاد بفضل رجالاتها ومقاوميها من مثال محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي قاد ثورة لا نظير لها في العالم ضد الاستعمار الاسباني جسدت التلاحم بين المغاربة.
ولتسليط الضوء على هذه المقاومة الوطنية, تقدم جريدة “24 ساعة ” لقرائها بمناسبة شهر رمضان الأبرك فصولا من تلك المعارك الجهادية وتأثيراتها وهي مستقاة من من كتاب ” محمد بن عبد الكريم الخطابي من القبيلة الى الوطن” لمؤلفه الاعلامي ووزير الاتصال الراحل محمد العربي المساري والصادر سنة 2012 عن المركز الثقافي العربي, والذي يجيب عن ” بعض التشويش الفكري الذي يصاحب اليوم المسألة الريفية برمتها. وكما يقول فانه “في زمن الوسوسة بالنعرات يجب أن نستمع الى صوت الخطابي وهو يدعو الى الارتقاء بفكرنا السياسي من نطاق الجزء الى مستوى الكل. من الاقليمية الانعزالية الى أفق الوطن الذي يستوعب الجميع, والذي لا غنى فيه عن أحد” / ص:8/.
الحلقة الخامسة :
اتساع رقعة التمرد وطمع زعماء القبائل في تدعيم صلاحياتهم
يقدم لنا التاريخ السياسي للمغرب في الفترة السابقة للحماية صوراً متدهورة لمجتمع في منتهى التمزق والانحلال. ورئيس السلطة الوطنية نفسه لم يكن يتحرك بكامل الاطمئنان في مملكته بسبب انتشار الفتن، واتساع رقعة التمرد وطمع زعماء القبائل في تدعيم صلاحياتهم على حساب نفوذ السلطة المركزية، أو تطلعهم إلى نيل امتيازات، حيث كانت مهادنة المخزن للقبائل تكلفه دائماً قدراً من هيبته وشيئاً من مداخيل الخزينة .
وتحكي لنا مصادر تلك الفترة أن السلطان مولاي عبد العزيز رجع إلى فاس في نونبر نوفمبر 1902 لأنه لم يتمكن من اجتياز الغرب، بينما كان في طريقه إلى زمور التي قامت عليه. وفي يوليو 1903 حينما عزم على إضفاء مظاهر الهيبة السلطانية على الحملة المتوجهة إلى تازة قصد تأديب بوحمارة، انكسرت محلته قبل أن تصل إلى حيث كانت تريد أن تصل، بسبب أن الطريق لم تكن مأمونة.
وفي الفترة عينها تقريباً قام الحياينة ضد المخزن انتقاماً من المحلة المخزنية التي وهي في طريقها إلى مواجهة بوحمارة أساءت لهم، فوقعت الغارة عليهم، لمجرد الرغبة في فرض هيبة المخزن ولكي يتأدب بهم غيرهم. وكثيراً ما واجهت المحلة السلطانية مواقف صعبة حينما كانت تتوجه إلى إخماد فتنة في جهة،
ولا تأمن أن تقوم ضدها قبائل توجد في طريقها، بسبب سوء تصرف الجنود وإلى حد ما فإن كلمة المخزن في فترة التدهور التي سبقت الحماية مباشرة، لم تكن مسموعة إلا في الرقعة الضيقة التي توجد فيها محلاته، حينما يمكن الحفاظ على هدوء هذه المحلات، وذلك بانتظام تزويدها بـ «المونة»، وحينما لا يكون هناك. ما يدعو بعض الفصائل المسلحة إلى أن تقرر من تلقاء نفسها أن ترجع إلى دواويرها بعد أن تسأم العراك، أو يدعوها موسم الحصاد إلى الرجوع إلى الحقول. وهذا الوصف منقول عن شاهد عيان مطلع هو الصحافي البريطاني هاريس، وقد ورد ذلك في كتاب “الروكي” للإسباني مالدونادو .
وبصدد المنطقة التي تشغلنا وهي الريف، حفظت الذاكرة صوراً شنيعة الرداءة العلاقة بين المخزن المركزي وقبائل جعلتها الجغرافيا بعيدة عن منطقة الرؤية. جاء في “الظل الوريف لمحاربة الريف” للقاضي سكيرج الذي سنأخذ عنه الكثير في ما بعد، أن اصطدامات قاسية وقعت في المنطقة حينما حلت بها الحملة التي وجهها المخزن بغرض الانتقام من بقيوة تطييباً لخاطر إسبانيا باطناً، وقصد تربيتها (أي القبيلة) بذريعة خروجها على الطاعة ظاهراً».
وكان السبب في إرسال الحملة هو مداهمة أفراد من القبيلة المذكورة لمراكب الإسبان في عرض البحر، فيضطر المخزن إلى دفع التعويضات الفادحة للمتضررين. وكان على رأس المحلة الشريف مولاي بوبكر، وكان الرئيس العسكري هو محمد بن البغدادي. وقد نهاهما العقلاء في الريف عن إلحاق العقاب الجماعي بالقبيلة لأن القراصنة الذين يثيرون المشاكل مع إسبانيا، لا يتعدى عددهم 13 فرداً 8 من مدشر تيغانمين، و5 من مدشر تفنسا فلا يصح أن تجرم القبيلة كلها بسبب هؤلاء. ولكن الشريف قال لهم : إن المخزن يريد أن يسمع الناس أن كلمته نافذة لتتأدب بذلك القبيلة وغيرها. وما ظلت تلهج به الألسن مدة طويلة بعد ذلك هو أن أفراد تلك المحلة، كانوا ينتهكون الحرمات، وخلق ذلك أسباب الصدام بين أجلاف العسكر.