نشر بشراكة مع DW العربية
قبل أشهر قليلة من إطفاء شمعته المائة، ترجّل الزعيم الأمايزيغي المغربي محجوبي أحرضان يوم الأحد في مسقط رأسه في مدينة ولماس بمنطقة الأطلس المتوسط (وسط المغرب).
عاش أحرضان قيدوم السياسيين المغاربة، في عهد أربعة ملوك، حيث نشأ في عشرينيات القرن الماضي في ظل حكم الملك يوسف بن الحسن وبين حقبتي الاستعمار والاستقلال في عهد الملك محمد الخامس، ثم في فترتي حكم الملك الراحل الحسن الثاني وخلفه الملك الحالي محمد السادس.
وأحرضان ليس سياسيا بالمعنى التقليدي للكلمة، فقد بدأ السياسة منذ نعومة أظافره حتى أصبح زعيما بارزا وخصوصا بعد تأسيسه إلى رفيق دربه الزعيم الوطني الآخر الراحل الدكتور عبد الكريم الخطيب، لحزب الحركة الشعبية ذو التوجهات الأمازيغية. ومنذ بداية الستينيات وعلى امتداد أربعة عقود من الزمن تولى أحرضان مناصب حكومية عديدة، ضمنها الدفاع والزراعة والمواصلات والبريد والتعاون.
أحرضان المحارب
اتسمت مسيرة أحرضان بتقلبات عديدة في كواليس ومشهد الحياة السياسية المغربية كما نجا من محاولة اغتيال، ولكنه حافظ دوره ونزعته الكاريزمية التي اعترف له بها حتى خصومه السياسيين.
تخرّج أحرضان من المدرسة العسكرية كضابط وانخرط مبكرا في صفوف “جيش التحرير الوطني” من أجل الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي، لكنه سيواجه بعد استقلال البلاد سنة 1956 متاعب، حيث كشفت مذكرات عدد من الساسة المغاربة واعترافات أمام القضاء بأن أحد قادة جيش التحرير الوطني، ويسمى “شيخ العرب”، كان قد خطط لاغتيال أحرضان بتهمة التعاون مع الاستعمار.
ولطالما أثارت آراء أحرضان وشخصيته الجدل في محطات سياسية عديدة من تاريخ المغرب، ومنها في علاقته بأحزاب أخرى مثل “حزب الاستقلال”، حيث زُجَّ بأحرضان في السجن خلال فترة تولي الحزب ذو التوجه الوطني المحافظ للحكم مباشرة بعد الاستقلال.
وفي محطات تاريخية حاسمة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، لعب أحرضان دور جوكر الحياة السياسية، فبالإضافة إلى تقلده مناصب حكومية عديدة، كان حليفا تقليديا للقصر.
وكزعيم حزبي، ركز أحرضان على النزعة الأمازيغية في توجهاته السياسية، كما كان يقدم نفسه سواء كنائب في البرلمان أو كعضو في الحكومات المتعاقبة كمدافع عن سكان الأرياف في مواجهة النخب المدينية التي تصطف تقليديا مع الطبقات الوسطى والميسورة في المدن. وطالب مبكرا بإحياء التراث واللغة الأمازيغية، وبسبب توجهاته هذه كانت له مواجهات وسجالات مع الاتجهات العروبية في البلاد التي يشكل الأمازيغ أكثر من نصف سكانها.
لكن السياسي المغربي المخضرم تعرض أيضا إلى صراعات داخل معسكره الحزبي وأزيح أكثر من مرة من مركزه كأمين عام لحزب الحركة الشعبية الذي تعرض لانشقاقات عديدة. ومعظم الذين انشقوا عنه، ومن أبرزهم الوزير الأسبق امحند العنصر، عادوا إليه في نهاية مشاوره السياسي وتصالحوا معه واختاروه كزعيم مؤسس للحركة (الشعبية).
أحرضان “الزايغ”.. والفنان
لم تخل السنوات الخمس الأخيرة من حياته من محطات مؤثرة، فقد فارقته في مارس آذار سنة 2015 مريم رفيقة دربه زوجته الفرنسية الأصل واسمها عندها الولادة مياري دو غاسكيت.
كما أصدر أحرضان مذكراته بعنوان “الزايغ” وفيها كشف عن تفاصيل كثيرة عن مسيرته السياسية الطويلة. وعبارة “الزايغ” بالعامية المغربية تعني المتمرد أو المغرد خارج السرب. وبقدر ما كانت شخصية أحرضان السياسية سجالية، فقد كانت تتسم بالطرافة والدفئ وكرم الضيافة في بيته سواء في ضاحية السويسي بالعاصمة الرباط أو في بيته الذي أمضى فيه آخر أيام حياته في ولماس بمنطقة الأطلس المتوسط.
وأحرضان هو شاعر ومؤلف كتب باللغة الفرنسية، منها كتابه “باراكا خلاص” (كفاية)، وهو أيضا فنان تشكيلي وكثيرا ما كان يخصص وقتا للرسم ولعرض لوحاته، وخصوصا في فترات اعتكافه التي لم تكن تدوم طويلا.