محمد الشمسي
ما يجاهر به علنا عدد من “الفنانين” هو أمر خطير يرقى إلى جريمة اختلاس المال العام وتبديده مع التزوير والاحتيال، فعندما يتبجح الكثير منهم أنهم ومنذ 2008 وهم يحصلون على أموال الشعب بملايين الدراهم تحت يافطة “دعم الثقافة”، فهذا يعني أن كل واحد منهم مطالب بأن يقدم الحسابات والفواتير والكشوفات عن المسرحية التي ألفها، وعن الأغنية التي أبدعها، وعن اللوحات التي رسمها، وعن مدى تقيده بدفتر التحملات، وعن التزامه بإعداد ما التزم بإعداده طبقا للمعايير المحددة له وتحقيقا لمبدأ “الدعم المالي مقابل الإنتاج الثقافي”…
يفرض القانون على المجلس الأعلى للحسابات أن يحقق مع هؤلاء حول 12 سنة من “الأخذ دون العطاء”، أين الأغاني الموعودة؟، أين المسرحيات المدعومة؟، وأين التشكيل؟ وأين …وأين..؟، وستجرنا أين هذه إلى مَن منح ؟، وبأي شروط؟، وبأي اتفاق أو تواطؤ؟، ومن راقب من؟، وكيف؟، سنجد شركات وهمية ومشاريع صورية، ووثائق مزورة، سندخل حقلا من النصب والخديعة باسم الفن، سنكتب سيناريو أكبر عملية سطو باسم الثقافة في تاريخ دولة تكفر بالثقافة وتؤمن ب”التثقاف”، وسيرشدنا بحثنا نحو كهف الأفاعي الضخمة التي لا يسمع لها فحيح، والتي تزحف على بطونها “بلا حس ولا أثر”، سنقشر جميعا” مو جلود” ليفور القيح والعفن …
قالوا بفصيح اللسان إنه بحلول هذه السنة تكون “عملية السطو رقم 22″، فإذا كانت الغاية هي دعم العازفين والملحنين والرسامين وكتاب الكلمات وأصحاب الاستوديوهات، فلما لا يكون دعما مباشرا لهؤلاء؟، ألا تعرف وزارة الثقافة عازفيها وملحنيها وزجاليها ورساميها؟، لماذا تصر على أن “ترسل لهم” أموال الدعم مع “الفنان إكس” و”الفنان”إكريك” في وساطة مشبوهة؟، وإذا كانت الغاية هي تنشيط الفعل الثقافي فأين هي لجنة تتبع تلك المشاريع الملتبسة؟، وأين هي الغلة الفنية والإبداعية من بعد كل هذه الملايير المنهوبة ؟ وما مصير من تسلم المال دون أن ينجز المهمة أو أنجزها مبتورة منقوصة؟ …
أليس هم أنفسهم “الفنانون” العاجزون على إضحاك المواطن في شهر رمضان؟، ألم يستسلم الإيقاع المغربي في زمنهم لنظيره الخليجي والشرقي؟، ألم تدخل الأغنية المغربية في عهدهم غرفة الإنعاش؟، ألا يوجد مسرحهم وأفلامهم في حالة تسلل عن معاناة الشعب؟…
يُلزم القانون حتى رئيس النيابة العامة بعدما بلغ إلى علمه وجود شبهة في جريمة التحرش بالمال العام أن يأمر على الفور بالتحقيق مع “جنرالات الثقافة” للبحث عن مصير الملايير التي لا الشعب تنعم بها نقدا ولا هو تمتع بها ثقافة وإبداعا…
في انتظار الاستجابة لاستغاثة المال العام، وفي انتظار تفعيل القانون، نقول ل “أشباه الفنانين” من ألزمكم اختيار طريق الفن وأنتم الأعلم أنها لا تسد رمقا ولا تضمن مستقبلا؟، من أجبركم على امتهان الفن وأنتم تعلمون أن ملء البطون مقدم على ملء العقول في مجتمع يستهزئ بالمعرفة؟، ومن أوهمكم أنكم أنتم وتفاهاتكم مشعل الثقافة؟،”سيرو قلبو ليكم على شي خدمة” تنفعون بها العباد وتريحون بها البلاد، واتركوا الدولة تتكلف بصيانة فنونها واستجماع أشلاء ثقافتها، فإن هناك بون شاسع بين “النهوض بالثقافة” و “الاسترزاق بالثقافة”، وإن لمستم في أنفسكم رغبة جامحة في التسول فإن “الفوروجات والأسواق ومحطات الطوبيسات كثيرة”، أقول لكم هذا ولست بغريب على أسرة الإبداع، فقد أصدرت أول رواية لي من مالي الخاص الذي انتزعته من قوت عيالي لأكتب عملي الفني ولا أستجدي صدقة، فالفن مرادف للكبرياء والشهامة والكرامة، والمتنبي لم يكن حاصلا على “بطاقة فنان”، وطه حسين لم يكن عالة على وطنه.