رشيد قنجاع
اثارت قضية تسمية الشوارع و الازقة بأسماء أصولية متطرفة ، اهتمام الرأي العام الوطني، و خلقت نقاشا واسعا في اوساط مستعملي وسائط التواصل الاجتماعي، وقد اخدت ردود الفعل الخاصة بهذا الموضوع شكل نقاش وليس جدالا ، نظرا لغياب اي رأي منافح، مدافع ، او مساند لفداحة هذا السلوك الارعن. ووضع الجميع أمام مسؤولية تقوية الممانعة من اجل تحصين المجتمع المغربي، من اي تسلل في جنح الظلام، يستهدف ضرب مرتكزات و مقومات هويتنا الوطنية والدينية، فيمنطلق السياسة وميزان المصالح ومنطق احتلال المواقع .ففي منطق السياسة لا شيء مجاني، عفوي او بريء. فكل اشارة او تصريح او فعل من هذا المنطلق لهرمزيته و دلالته، و منها اطلاق التسميات على الفضاءات العامة و المؤسسات و المعاهد و الجامعات و المدرجات، باستذكار اسماء محددة، لا تنبع من فعل الهوى ، بل هي ابعد من مضمون رسالة بين مرسل و مرسول اليه، لما تتضمنه من متسع اكبر من الكلمة و الرمز المتضمن في الرسالة.
و يمكن الانتباه الى اهمية التسمية التي تعطى للعمليات العسكرية و في الكثير من الاحيان لانواع من الاسلحة ( عاصفة الصحراء ، صاروخ القسام ……) ، تتضمن في طياتها احالات و دلالات ابعد من تركيبة التسمية، لتعبر عن مضمون سياسي ديني و خلفية ايديولوجية. ان الاسماء و الرموز تستوحى من معجم محدد راكمته جماعة معينة او شعب معين او حركة معينة وتستدعيه في ممارساتها التاريخية ، باعتباره خزانا رمزيا يختزل التعبيرات و الطرق التي تدل وتومئ اشاريا الى المذهب في معنييه الدلالي الاخلاقي و الدلالي الرمزي .
و قد وضح البيرتو ايكو في كتابه ” السيميائية و فلسفة اللغة” ان ” منطق التفكير في الدال و المدلول و القاموس و الموسوعة و الاستعارة والرمز و السنن، هو العلامة. ذلك ان الانسان يقرأ الكون المحيط به من خلال علامات ، و يعبر عنه من خلال انظمة مختلفة من العلامات ، سواء كانت لغة او رسما او رموزا”. من هنا تأتي خطورة تمرير تسميات اصولية وهابية متطرفة، لا تؤمن بالديمقراطية و الاختلاف و المجتمع المتعدد و المتنوع.
بأسماء تتحول الى احالة علامية او قل الى دلالة ، حيث يصبح الاسم هنا وهو الدال ككلمة في ماديتها الكتابة الى مدلول ككلمة في نظام معانيهااو في احسن الحالات وللتوضيح اكثرتصبح الاسماء مثل الكتابة الهيروغليفية رسوم ترمز الى اشياء او حالات،وذلك لان جل او معظم بل احيانا كل المتأسلمين من داعيات او حركيين سياسيين او جهاديين استعملوا اسماء حركية، فكل القادة على هذه المستويات اتخدوالانفسهم اسماء غير اسمائهم، ومن هنا الاستدعاء المكثف و المزدوج للرمزي، فرمزية الشخص ومن ثمة رمزية الاسم الذي يتسمى به وهي اسماء مستمدة من جغرافيات قصية ومن تواريخ بعيدة تحيل الى احداث حدية وتتحول هذه الاسماء كعمليات الاستحضار الحسي الذي لا يحيل الى جسد الاخر وانما الى صورته فيبعدنا بذلك عن الطبيعة، ان لعبة الاحالة هذه التي يلعبها الاسم المستعار هي الشرط المتعالي لكل عنصر دال ، ولما كان كل عنصر يتحدد بعلاقته بالعناصر الاخرى وبشاكلته في تكميلها فيجب ان تكون لعبة الاختلافات التي تؤسسه مسجلة فيه من قبل، وهذا ما يدعى في السيميولوجيابالأثر، اي ان الاسم يحمل معه اثارا خارج ذات الشخص الحامل له.
ان تمرير هذه الاسماء الدلالية سقط في حالة تسلل فاضح، اعلن عنه المغاربة باستعمالهم تقنية الفارVAR التي امتلكوها من خلال وسائط التواصل الاجتماعي داخل حجرهم في زمن تفشي وباء كورونا. ان الرغبة في تمرير هذه التسميات ، لم تأت من فراغ، او من فعل فردي او غباء مسؤول اصولي،بل نابعة من عقدة فشل حركة الاسلام السياسي، طيلة خمسة عقود من التواجد في الحقل المجتمعي نظرا للبنى والخلفيات الدينية التاريخية التي تشكلت لمدى قرون ، ففشلهم في تمرير اغاني الوهابية في الاعراس نظرا لكون المديح المغربي اكثر اصالة ومضمونا صوفيا روحيا واخلاقيا، الى محاولاتهم تسييد و فرض همينة قاموس سياسي اخواني تكفيري و مفاهيمه الفكرية و الاصطلاحية و اللغوية في بنيات المجتمع المغربي ووعيه. وسقط في محاولته الاولى وفي اول خروجه للفعل السياسي العلني داخل اسوار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب نظرا لتجذر خطاب وطني اصلاحي جد متطور ينهال من تجربة سياسية للحركة الوطنية ومن خلال تواجد يسار جدري اسس لخطاب نقدي مزدوج للخطاب الوطني و القومي مما اعطى للقاموس السياسي المشرقي الاخواني و الوهابي طابعا مفارقا لم يستطع ان يجد مكانه الا داخل مريديه مما اضطرهم ولاجل البقاء في زخمة الفعل الى تبني براغماتي للمقررات السياسية للاتحاد الوطني كانت قبلها إلحادية، من خلال توسل لغة توفيقية اندحرت بهم الى استبدال شكلهم ولحاهم ولباسهم ايضا.
إلان الكلام في مستوياته السيميولوجية لا يتحقق فعلا وماديا كفعل صوتي بل ايضا كتحقق مادي و بصري وتشكيلي للكلام ، بمعنى يصبح استخدام الكلام بمعنى ملموسوكمادة صلبة ترجالاشياء، فاضطروا الى التخلي عن قاموسهم المعجمي ، وتبنى الخطاب السياسي المتداول حيث امتاحوا من المزاوجة بين لغة اليمين و لغة اليسار، و على مستوى الخطاب الديني العلني وليس التنظيمي الداخلي ، نجده خطابا تم تكييفه مع الخطاب الديني المغربي الشعبي خارج الاطر العالمة كالجامعات و النقابات و التنظيمات الاهلية. و هذا ما دفعهم الى تبني تاكتيك عملي يقوم على تأثير الصورة و الرمز لتعويض هذا الفشل، عبر تركيز التواجد في الفضاءات العامة ، باستدعاء احالات رمزية محيلة الى الدين كاللحية والحجاب و اللباس.
ان الصراع الذي يخوضه الاسلام السياسي في المرحلة الراهنة، يرتكز على تسفيه السياسة و السياسيين، و خلق حالة من البهرجة السياسية، التي في تسييدها يظلون المعبر الوحيد للدولة ، و هم يستطيعون فعل ذلك نظرا لطبيعة التنظيم السياسي الذي يؤمنون به القائم على الطاعة و الولاء و قداسة المرشد او الامير و الامين العام حسب الظروف و الاحوال.