رمزي صوفيا
سبق لي أن كتبت موضوعا مفصلا حول أسعار الدراسة في المدارس الخصوصية، وسردت في الموضوع معاناة العائلات المغربية مع التكاليف الهائلة لتدريس أبنائهم في هذه المؤسسات، وتوقعت بأن يتم تخفيض تلك الأسعار اعتبارا لهزالة الطاقة الشرائية للعائلات المغربية، لكن يبدو أن ما كتبته وما كتبته عدة منابر صحفية أخرى، ظل عبارة عن صيحة في وادٍ، فقد تلقيت عدة طلبات من عائلات مغربية لها عدة أطفال، والكل يلح علي لإعادة نفض الغبار عن هذه القضية التي يعاني منها آلاف الآباء والأمهات بدون حسيب ولا رقيب سوى الله.
قمت بجولات كثيرة داخل قطاع التعليم الخصوصي في المغرب كما قمت بعدة استطلاعات حاولت من خلالها التعرف عن كثب عن رأي المغاربة في الموضوع، وفعلا توصلت بعدة معطيات جعلتني أقف على واقع مر يتطلب حلولا جذرية من المسؤولين وصناع القرار في مجال التعليم المغربي.
فعندما تطلب مدرسة خصوصية مبلغ 1000 درهم بالتمام والكمال كل شهر لتسجيل طفل لا تتجاوز سنه الثلاث سنوات وذلك في مستوى روض الأطفال لا أكثر ولا أقل، فكيف نتصور ميزانية عائلته؟
وعندما يصبح السعر الشهري لتدريس طالب مغربي في صفوف الباكلوريا يناهز ثلاثة آلاف درهم في الأحياء التي تعيش فيها الطبقات المتوسطة، فكيف نتصور ميزانية عائلته؟
وعندما تضطر العائلة بسبب هزالة مستوى تلميذ من أبنائها إلى تسجيله في ما يسمى بالساعات الإضافية مقابل مبلغ لا يقل عن 1000 درهم في الشهر إذا كان محتاجا لدعم في مادتين علميتين فقط، إضافة للثلاثة آلاف التي تدفعها الأسرة بشكل رسمي للثانوية التأهيلية الخصوصية كل شهر بحيث يصبح المبلغ هو 4000 آلاف درهم.
فهل كل العائلات المغربية تحصل على أجور كافية لتغطية هذا “النزيف” المالي المؤسف والذي يتواصل بدون حسيب ولا رقيب سوى الله وحده.
إنه من حق كل عائلة أن تفكر في مستقبل فلذات كبدها، وتحلم بوصول كل طفل من أطفالها إلى مستويات دراسية جيدة تجعله قادرا على الحصول في السنوات المقبلة على منصب عمل يضمن له حياة كريمة داخل المجتمع المغربي، ولكن، لماذا يتم تفقير الآباء والأمهات بهذه الطريقة، لماذا يتم التغاضي عن هامش الربح الهائل الذي تحصده المدارس الخصوصية على حساب القدرة الشرائية والمستوى الاجتماعي الضعيف أو المتوسط للعائلات المغربية.
والدليل القاطع والبرهان الساطع على صحة كل هذه المعطيات، هو أن المدارس الخصوصية تعمد إلى تحديد أسعار التسجيل بأقسامها بطريقة متنوعة تكاد تكون فسيفسائية من هذا الحي لأحياء أخرى في نفس المدينة.
نعم، فإنك تجد ثمن التسجيل في هذه المدرسة في مستوى دراسي معين بسعر، وعندما تذهب إلى حي آخر في الدار البيضاء مثلا تجد سعر التسجيل في نفس المستوى التعليمي يقفز بعدة مئات من الدراهم.
وبسبب الإقبال الكبير من طرف العائلات بما فيها الفقيرة على التضحية بالغالي والنفيس لتدريس أبنائها في المدارس الخصوصية، فإن هذه الأخيرة تطلب أسعارا غير متكافئة مع التطور البطيء والسلحفاتي للأجور التي يتقاضاها الآباء والأمهات، فنحن نعرف حق المعرفة بأن متوسط الأجور في المغرب لا يتجاوز 5000 آلاف درهم، وعندما يتزوج الشابان ويرزقان بطفل ثم يفكران في تسجيله بمدرسة خصوصية ويدفعان مبلغ 1000 درهم منذ أولى خطواته الدراسية، ثم يدفعان مبلغ 2000 درهم للكراء ومبلغ 500 درهم للماء والكهرباء، وينفقان بقية المبلغ على الأكل والشرب والتطبيب، فهل يسمح المجتمع بجعل كل أحلامهما في الادخار لامتلاك شقة تتبخر؟ وماذا يتبقى لهما من مصاريف للطوارئ؟ وأين هو هامش الأجر ليستمتعا بالسفر والاستجمام؟ سيكون بحسبة بسيطة هو: صفر درهم حتى إشعار آخر قد لا يأتي أبدا.
وكان جلالة الملك محمد السادس منذ ثلاث سنوات قد أكد بأن الوضع الحالي للتعليم في المغرب يعتبر “أكثر سوءً مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أكثر من عشرين سنة”، وأشار جلالته إلى أن ذلك دفع عددا كبيرا من الأسر، رغم دخلها المحدود، إلى تحمل التكاليف الباهظة لتدريس أبنائهم في المؤسسات التعليمية التابعة للبعثات الأجنبية أو في التعليم الخاص، لتفادي مشاكل التعليم العمومي وتمكينهم من نظام تربوي ناجع.
وكشف تقرير حديث تحت عنوان: “واقع التعليم الابتدائي والثانوي بالمغرب”، أن انتشار التعليم الخصوصي في سلك الابتدائي بالمملكة، ارتفع خلال العشرية الأخيرة من 4 في المائة إلى أزيد من 13 في المائة، متوقعا أن يصل إلى حدود 24 في المائة في أفق سنة 2020، ليتجاوز 90 في المائة في أفق 2038، واعتبرت الدراسة المقدمة خلال المناظرة الدولية حول الحق في ولوج التعليم ومحاربة الهدر المدرسي بالمملكة المغربية، أن من أهم التطورات البارزة في النظام التربوي المغربي منذ تاريخ الشروع الفعلي للميثاق الوطني للتربية والتكوين في سنة 2000، تتمثل في “نمو التعليم الابتدائي والثانوي الخصوصي، حيث تزايد عدد التلاميذ المسجلين بالمستوى الابتدائي الخصوصي بأزيد من ثلاثة أضعاف خلال العشرية الأخيرة من دون وضع رقابة جدية ورسمية بشأن متطلبات التسجيل ونوعية التعليم”، وانتقدت الدراسة الاختلافات الكبيرة في صفوف المدارس الخصوصية ما بين تلك المكلفة جدا والمخصصة للنخبة، بالإضافة إلى مؤسسات البعثات الأجنبية التي تجلب الآباء ذوي الدخل المرتفع، الأمر الذي زاد من حدة عدم المساواة في التمتع بحق التعليم والتباين بين المستويات التعليمية التلاميذ، وفي الأخير، خلصت الدراسة إلى أن خوصصة التعليم المغربي خاصة في المدن الكبرى شكل “اضطرابا حقيقيا للمشهد التعليمي عموما”.
إلى جانب ذلك، أشار تقرير صادر عن جمعيات مغربية وهي: “الائتلاف المغربي من أجل التعليم للجميع”، “الفيدرالية الوطنية لآباء وأولياء التلاميذ بالمغرب”، “فرع المبادرة العالمية من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، “حركة أنفاس ديمقراطية”، “أطاك المغرب”، “الاتحاد الطلابي لتغيير النظام التعليمي”، “بيتي” و”جمعية زاينو”، إلى انخفاض عدد التلاميذ المسجلين بالقطاع العمومي في سنة 2014 مقارنة مع سنة 2000، وذلك بعد تنامي عدد المدارس الخصوصية.
وأبرز التقرير ذاته، أن التعليم الخصوصي