الرباط-عماد مجدوبي
قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة إلى المغرب، التي تأتي في إطار تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. وقد أكدت هذه الزيارة عمق العلاقات الثنائية والتعاون المتبادل في مختلف المجالات.
وتسلط زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للمغرب الضوء على التنامي المستمر في النفوذ الصيني داخل المنطقة، مما يعزز الانسجام الاستراتيجي بين البلدين.
وتأتي هذه الزيارة بعد حضوره قمة مجموعة العشرين في البرازيل، حيث وقف جنبا إلى جنب مع رئيس البرازيل لويز إيناسيو لولا دا سيلفا في فعاليات القمة.
وقد استقبل الرئيس الصيني استقبالاً رسمياً في مطار محمد الخامس بالدار البيضاء من قبل ولي العهد الأمير مولاي الحسن وأعضاء بارزين في الحكومة المغربية.
علاقات تاريخية راسخة
العلاقة بين المغرب والصين تمتاز بالمتانة والاستمرارية منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1958. فمنذ ذلك الوقت، بقيت الروابط التجارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى قطاعات أخرى، قائمة بنشاط.
ومكنت الزيارة الرسمية والتاريخية التي قام بها الملك محمد السادس، سنة 2016، إلى جمهورية الصين الشعبية، العلاقات بين البلدين من الانتقال إلى السرعة القصوى لترتقي لشراكة استراتيجية شاملة.
ويفتح الإعلان المشترك المتعلق بإقامة شراكة استراتيجية بين البلدين، والذي وقعه في ماي من سنة 2016، الملك محمد السادس والرئيس شي جين بينغ، آفاقا جديدة واسعة أمام العلاقات السياسية بين الرباط وبكين، كما مكن من تعزيز التعاون الثنائي في القطاعات ذات الإمكانات الواسعة، من حيث خلق فرص الشغل والقيمة المضافة.
وعملت الدولتان على تنفيذ مخرجات قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي والمؤتمر الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي.
وفي إطار تعزيز العلاقات، وقع الطرفان في عام 2018 مذكرة تفاهم حول مبادرة الحزام والطريق، مما جعل المغرب أول دولة في شمال إفريقيا تتبنى هذا المشروع الطموح.
ولم تتوقف الشراكة عند هذا الحد، إذ برزت العلاقة الوطيدة بين الزعيمين الملك محمد السادس شي جين بينغ بشكل جلي في عام 2021 خلال حملة التلقيح. وأصبح الملك محمد السادس أول مواطن مغربي وأول قائد عالمي يتلقى لقاح سينوفارم، المطور من قبل معهد بكين للمنتجات البيولوجية ضد كوفيد-19، وذلك رغم حصول المغرب سابقًا على دفعات من لقاح أسترازينيكا المصنع في الهند.
ومع بداية عام 2024، رسخت الصين مكانتها كشريك تجاري ثالث للمغرب، خاصة في مشاريع المجال الصناعي، تليها قطاعات العقارات والنقل والطاقة والتعدين…
علاوة على ذلك، قررت الصين منذ سنة 2023، زيادة حجم التبادلات التجارية بنسبة تصل إلى 50%، ليصل إجمالي حجم التجارة إلى 7.6 مليار دولار.
وخلال الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير التجارة الصيني، وانغ وينتاو، والاجتماع مع نظيره المغربي، رياض مزور، تم تسليط الضوء على إمكانات منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية في ”تنمية الصادرات المغربية والصينية”، وفتح ”أسواق أفريقية جديدة وواعدة.”
استثمارات صينية ضخمة
تتميز العلاقات المغربية الصينية ببعدها الاقتصادي القوي، حيث تشهد التجارة بين البلدين نمواً مطرداً. وتعد الصين شريكاً تجارياً مهماً للمغرب، خاصة في مجالات الصناعة والبنية التحتية والطاقة.
وقد شهدت في السنوات الأخيرة العديد من المشاريع المشتركة بين البلدين، مثل المدينة الذكية بطنجة ومشاريع البنية التحتية الأخرى.
ورغم أن المصالح الاقتصادية واللوجستية للصين في المنطقة، وتحديدا في المغرب، ليست جديدة، إلا أنها شهدت في السنوات الأخيرة صعودا فريدا.
ومن بين هذه الحالات، تبرز مؤسسة سيتيك ديكاستال بالقنيطرة، وهي شركة متخصصة في صناعة عجلات الألمنيوم، والتي تعد إلى اليوم من أهم المشاريع الاستثمارية الصينية بالمغرب. وفي إطار مبادرة الحزام والطريق، استقرت مجموعات صينية أخرى مثل ” BTR Schenzhen أو” Gotion High-Tech” في الرباط.
ومن المشاريع الكبرى الأخرى التي تمولها الصين المدينة الذكية التي ستوفر التكنولوجيا وفرص العمل للمجتمع المحلي في طنجة: مدينة محمد السادس طنجة التقنية. وسيشغل المشروع، الذي بدأ تشييده في عام 2023، حوالي 2000 هكتار وسيضم حوالي 2000 هكتار، 200 شركة متعددة الجنسيات. وعلى الرغم من أن المكان تم بناؤه باستثمارات صينية، إلا أنه سيكون موطنًا لجهات فاعلة أجنبية أخرى مثل الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة في إطار اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية.
وكانت آخر صفقة بين المكتب الوطني للسكك الحديدية المغربية والمجموعة الصينية، أوفرسيز إنجينيرينغ، من خلال عقد أعمال الهندسة المدنية لبناء خط السكة الحديد الجديد فائق السرعة بين مراكش والقنيطرة. تبلغ قيمة الامتياز حوالي 128 مليون يورو وقد أطاح بشركتين تابعتين للشركة الفرنسية NGE Contracting و ” Guintoli”.
كما تعد الصين الشريك التجاري الثالث للمغرب، وتسعى لزيادة التعاملات التجارية بنسبة 50%. بينما يعترف المغرب بسياسة “الصين الواحدة”.
مغربية الصحراء وقضية تايوان
يتبادل البلدان الدعم في القضايا الدولية، حيث يؤكد المغرب على سياسة “الصين الموحدة”، فيما تريد الرباط موقفا صينيا واضحا من مغربية الصحراء. كما يتعاون البلدان في إطار المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي.
إن المغرب، على عكس الكثير من دول الاتحاد الأوروبي، هو أحد الدول التي تدعم سياسة وحدة الصين، لتعزيز الدعم للسيادة الوطنية والعلاقات الدبلوماسية.
وتعترف الرباط بسياسة بكين، التي تأسست باعتبارها الحكومة الوحيدة للبلاد دون اعتبار تايوان كيانًا مستقلا. في المقابل وعلى الرغم من أن الصين لم تعترف رسميا بمبادرة المغرب بشأن نزاع الصحراء المفتعل، إلا أنها تلمح إلى تعاطفها مع الرباط هذه القضية. فخلال قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي، لم تتم دعوة ”جبهة البوليساريو” الانفصالية.
ورفضت الصين في مناسبات متكررة محاولات الجزائر أو جنوب أفريقيا، نظرا لقربهما من الجبهة، استمالة موقفها عبر رفض حضور فعاليات تقام في الصين أو حتى في دول أفريقية، لهذا الغرض.
آفاق واعدة
تفتح الزيارة الجديدة آفاقاً واعدة للتعاون المغربي الصيني في مختلف المجالات، حيث يسعى البلدان إلى تعزيز التعاون في مجالات الطاقة المتجددة والزراعة والتكنولوجيا. كما يتطلع البلدان إلى تعزيز التبادلات الثقافية والشعبية بينهما.