يوسف المرزوقي – الرباط
يعتقد محمد زيان أن للمغاربة ذاكرة سمك قصيرة، وأن لجوئه إلى التهجم والإساءة لمقدسات البلاد، سيشفع له اليوم عن تاريخه الأسود المليء بالفضائح والمؤامرات ومواقفه الحربائية.
في هذا المقال نسرد قصة زيان وكيف زج بالنقابي الشهير نوبير الأموي في السجن وجرد اليساري البارز ابراهام السرفاتي من جنسيته المغربية؛ ودافع بشراسة عن اعتقال صحفيين وإغلاق جرائدهم، كما الشأن لجريدة ”المساء” التي كان توفيق بوعشرين رئيس تحريرها.
زيان محامي ”لصوص” الحكومة
لم يجد ادريس البصري؛ وزير الداخلية القوي في عهد الراحل الحسن الثاني؛ خلال أشهر محاكمة سياسية في تاريخ المغرب الحديث؛ سوى المحامي محمد زيان ليترافع لصالح حكومة محمد كريم العمراني؛ ويقف الأخير في المحكمة أعزلا ضد أزيد من 1300 من زملائه المحاميين، جاؤوا لمؤازرة الأموي الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
وكان زيان يترافع أنذاك على الوزراء فيما يعرف بقضية ”لصوص” الحكومة، الذي بموجبه تم الزج بالأموي في السجن سنتين نافذة، قبل أن يصدر في حقه عفوا ملكيا بعد 14 شهرا.
المفارقة الغريبة والعجيبة أن زيان الذي لجأ اليوم إلى الصحافة الإسبانية، ليهاجم على رموز البلاد ومقدساته؛ بإطلاق الكلام على عواهنه؛ هو نفسه الذي قال عن الراحل الأموي ”خاص يمشي للحبس يتربى”، خلال أطوار محاكمته، بسبب مقابلة له مع ”الباييس” الإسبانية، وصف فيها وزراء الحكومة بـ ”القطاطعية”.
وكافأ البصري خادمه المطيع ومنفذ أوامره، بمنحه منصب وزير حقوق الانسان، في حكومة الفيلالي الثانية، قبل أن يتلقى أوامر بتقديم استقالته وذلك ما فعل.
زيان وفضيحة تجريد السرفاتي من الجنسية المغربية
ساهم محمد زيان في لعبة قذرة لطخت سمعة المغرب والمغاربة داخليا وخارجيا، وسيسجل التاريخ بمداد العار أنه ساهم خلال حقبة ادريس البصري في محاولة تشويه وتلويث سمعة المعتقلين السياسيين.
كان للنقيب السابق للمحامين المطرود، دور بارز في ترحيل المناضل اليساري المغربي البارز ابراهام السرفاتي، من المغرب إلى فرنسا؛ بل وتم إصدار بلاغ مشؤوم يقال إن محمد زيان هو من صاغه يقضي بتجريده من الجنسية المغربية.
زيان افتخر بكونه من يقف وراء القضية في حوار مع جريدة ”المساء” سنة 2012، حين قال إن السرفاتي برازيليا وليس مغربيا، والغريب في الأمر مرة أخرى، أن زيان؛ إذا جاريناه في عبثه، لا يحمل اسما مغربيا لأن اسمه الحقيقي ”فيكتور مارتين” وأمه إسبانية من مالقا.
لنترك هذا كله جانبا ونعد إلى الحقائق التاريخية إذن؛ في سنة 1999، وبمبادرة شخصية من الملك محمد السادس، عاد السرفاتي؛ إلى وطنه مرفوع الرأس إلى أن وافته المنية سنة 2010 بمدينة مراكش.
محاولة ”إعدام” بوعشرين ونيني وصحفيون آخرون
زيان الذي يُزايد اليوم باسم ملف توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني المدانان بالسجن النافذ في قضايا لا علاقة لها بالحرية الصحافة أو التعبير؛ هو نفسه زيان الذي وقف ضد هؤلاء وحاول بكل ما أوتي من قوة إقبار جريدة ”المساء” التي يُديرها حينها رشيد نيني ويرأس تحريرها بوعشرين بينما سكرتير التحرير ليس سوى الريسوني.
يعتقد زيان، بمكره، أن خرجاته الإعلامية وتقمصه لجلباب ”المناضل” الذي لا يتناسب لا مع ضخامته ولا مع تاريخه الأسود؛ ستمسح من ذاكرة المغاربة فضائحه بالجملة التي يعج به مشواره.
لقد دافع زيان (وزير حقوق الإنسان السابق يا حسرة)، عن الحكم القضائي الصادر بحق جريدة “المساء” سنة 2008، القاضي بدفعها 620 مليون سنتيم.
وساهم زيان الذي يترافع أنذاك عن قضاة في ملف ما كان يعرف بملف ”الشذوذ الجنسي بالقصر الكبير”، في محاولة إقبار الجريدة الأولى لدى المغاربة خلال ذلك الوقت.
وتولى زيان بشحمه ولحمه رفع القضية ضد جريدة “المساء” وقال بكل وقاحة، في تصريح صحفي إنه ”يناضل من أجل إغلاق الجريدة”. لكم أن تتصوروا حجم ”السكيزوفرينيا” لدى هذا الثمانيني.
بوعشرين ونيني يهاجمان
بوعشرين عبر حينها عن استغرابه، في تصريح لـ ”قدس بريس” من أن يضع “وزير حقوق الإنسان السابق” على عاتقه مهمة إغلاق صحيفة يقرؤها أكثر من 700 ألف قارئ يومياً..
وأضاف بوعشرين “شيء جميل ولكنه مستغرب أن يأخذ وزير حقوق إنسان سابق على عاتقه مسؤولية إغلاق صحيفة، وسيدخل التاريخ بأنه كان سبباً في إغلاق صحيفة”.
نيني مدير الجريدة شن هجوما لاذعا على زيان على عموده الشهير ”شوف تشوف” جاء فيه ”لقد كنا منذ اليوم الأول لتوصلنا باستدعاء المحكمة مقتنعين بأن ”شرف القضاة وكرامتهم هي آخر ما يهم زيان والذين بعثوا به لتنفيذ هذه المهمة الانتحارية. وهاهو اليوم يعترف بعظمة لسانه بأن هدفه الرئيسي هو إغلاق “المساء” حرصا على سلامة المواطنين من الوقوع ضحية لجرائمنا اليومية”.
وزاد كاتبا ”نحن لا نطلب من زيان أن يدخر جهدا في القيام بهذه المهمة، بل نشجعه على المضي في ذلك بركوب أعلى ما في خيله. فقط نطلب منه أن يكون شجاعا وأن يكشف لنا وللمغاربة الذين يخشى عليهم منا أسماء الذين كلفوه بهذه المهمة القذرة. وإذا كان عاجزا عن القيام بذلك فإننا سنعفيه من هذا الحرج وسنقوم نحن مكانه بذلك. لأننا نعرف أسماءهم ومناصبهم ونصيب كل واحد منهم في هذه المؤامرة الدنيئة”.
مسك الختام
لم يكن محمد زيان حربائيا فقط في مواقفه السياسية؛ بل حتى في معتقداته الشخصية والدينية، لم يستقر به الحال في مذهب أو دين معين؛ وهذا يؤكد أن الرجل يعاني من انفصام حقيقي في الشخصية.
كان طفلا مسيحيا يحمل اسم فيكتور مارتين؛ ثم صار شيوعيا ملحدا لا دينيا؛ ثم قال إنه اعتنق الإسلام، وقد تتفرق به السبل غدا أو بعد غد فيهتدي إلى البودية… إنه شخص غير ثابت على موقف ولا على دين ولا على ملة معينة. لا تأخذوا هرطقاته على محمل الجد.