سعيد الكحل
وضع التنظيم الدولي للإخوان إستراتجية “التمكين” التي تسير عليها كل تنظيمات الإسلام السياسي بهدف السيطرة على الحكم وإقامة “نظام الخلافة” البائد الذي عانت منه الشعوب وتخلت عنه وفق ما يقتضيه قانون التطور الذي أفرز تجارب سياسية ونظما للحكم أقل استبدادا من ذي قبل وأكثر ديمقراطية واحتراما لحقوق الإنسان. فالإسلام السياسي لا يريد عن دكّ الأنظمة السياسية الموجودة في كل دول العالم بديلا ، والتي يرى فيها أنظمة “كافرة” و”مشركة” ؛ بينما يعتبر النظام الأصلح لكل شعوب الأرض هو “نظام الخلافة” الذي يركّز كل السلطات بيد الخليفة ممثل الله في الأرض ويحكم باسمه ولا رادّ لقراره . لهذا جعل منظرو ومؤسسو التنظيم الدولي للإخوان توجيهاتهم التي تضمنتها رسائلهم أوامر وتعليمات ليس على الأتباع غير التنفيذ والامتثال وفق ما شدد عليه حسن البنا “هذه رسالتي إلى الإخوان المجاهدين الذين آمنوا بسموّ دعوتهم، وقدسية فكرتهم، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها، أو يموتوا في سبيلها، إلى هؤلاء الإخوان فقط أوجّه هذه الكلمات، وهي ليست دروساً تُحفظ، ولكنها تعليمات تُنفّذ، فإلى العمل أيّها الإخوان الصادقون”. تطبيقا لهذه التعليمات ، نجد تنظيمات الإسلام السياسي ، وإن تعددت فصائلها ، تسير على نهج واحد خدمة للهدف الذي رسمه منظرو التنظيم الدولي للإخوان ووضعوا له إستراتيجية تعتمد على جملة من الخطط المرحلية لا تكاد تخرج عنها تلك التنظيمات قيد أنملة .
وتنقسم هذه الإستراتيجية إلى مرحلتين أساسيتين : مرحلة “الاستضعاف” ومرحلة “التمكين” .ولكل مرحلة خططها/تاكتيكاتها .
1 ــ مرحلة الاستضعاف : وهي مرحلة يكون فيها التنظيم ضعيفا منشغلا ببناء الذات واستقطاب الأتباع وإعداد القوة التي سيواجه بها النظام . مرحلة لا تسمح للتنظيم بالصراع المفتوح مع النظام أو استعدائه ، وإنما تتطلب منه التقية وإبداء المرونة . وقد جاءت رسالة مصطفى مشهور ، المرشد العام للتنظيم الدولي ، لتي وجهها لفرع الإخوان بالمغرب ترسم الإستراتيجية والخطوات الواجب إتباعها كالتالي:
“هذه رسالة لإخواننا في المغرب ، وهي الرسالة الثالثة التي يأفل بها هذا العقد وهي خطة عمل ننهي بها القرن العشرين ونبدأ بها قرنا جديدا يكون فيه التمكين بإذن الله تعالى ، وبهذه الخطة سيتحول فيها إخواننا في المغرب من مرحلة الاستضعاف والصبر السلبي إلى مرحلة القوة والصبر الإيجابي ليفتح الله لهم حكم بلادهم فيكونوا درعا للإخوان وحكومة من حكومات دولة الخلافة المنشودة لترفع راية الإسلام خفاقة من المشرق إلى المغرب وتكون كلمة الله هي العليا “.أما الخطوات التي رسمها المرشد لبلوغ الهدف فهي كالتالي:
أ ــ الاستعلاء والتسامي على المجتمع لتجسيد “الأفضلية” ولجذب الأتباع : ” وأولى الخطوات في طريقنا هذا هي أن نستعلي على هذا المجتمع كما أن نخاصمه وننعزل عنه شعوريا، على أن نتواصل معه ظاهريا للتأثير عليه وجذب أنصار منه إلى دعوتنا ، وسنلقى في هذا صعابا وأهوالا وفتنا ،وستفرض علينها تضحيات ولكننا لسنا مخيرين في هذا .فهذه هي طبيعة دعوة الإخوان وعقيدتهم التي تستهدف إسلام العباد لرب العباد وإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده”. لقد نتج عن هذا الاستعلاء ضرب العلاقات الاجتماعية والعائلية وإعادة ترتيبها على أساس الانتماء للتنظيم وليس الروابط العائلية والقرابة بالدم والنسب. فمزّق الإسلاميون النسيج الاجتماعي للشعب بأن جعلوا الولاء للتنظيم وليس للقرابة أو الوطن ، والبراء من كل مخالفيهم ؛ فأطلقوا على أنفسهم أوصافا تكرس هذا “الاستعلاء” مثل : “جند الله” ، “الرساليون ” أي حملة رسالة الرسول(ص) .
ب ــ التقية بالتظاهر باللين في مرحلة الضعف وتأجيل استعمال القوة إلى مرحلة التمكين ( لهذا يجب أن نواجه هذه الجاهلية سرا ونحن في مرحلة الاستضعاف ، وبالقوة إذا لزم الأمر ونحن في مرحلة التمكين ، على أن يكون استخدام القوة وفقا للأسس التي حددها الإمام الشهيد في رسالة المؤتمر الخامس “إن أول مراتب القوة هي قوة الإيمان والعقيدة ثم يلي ذلك قوة الوحدة والارتباط ثم بعدها قوة الساعد والسلاح). فالميول إلى اللين والسلم ليس خلقا متأصلا في الإسلاميين ولكنه طارئ فرضته حالة الضعف التي يوجدون عليها ؛ وما أن يتقووا حتى يُظهروا قوتهم ويمارسون عنفهم وإرهابهم . إنه سلوك يتقنه حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح وكذا جماعة العدل والإحسان التي تتحاشى المواجهة المفتوحة مع الدولة وإن كان خطابها تحريضيا يستغل بعض القضايا الاجتماعية أو الدينية كما حدث مؤخرا في طنجة وتطوان والفنيدق وآسفي حيث حرضت الجماعة على الاحتجاج ضد قرار حظر التنقل ليلا خلال رمضان ما أدى إلى منع إقامة صلوات العشاء والتراويح والصبح في المساجد .فالجماعة لا ترفض استعمال القوة والعنف ، بل تجعلهما من صميم وسائلها كما أكد عليه مرشدها : ( نبرز بمشروعنا ، ونُعْلنه ، ونحارب دونه بأساليب السياسة ما انفتح لنا فجوة ، وبكل الأساليب إن اضطهدنا )(ص 27 المنهاج ) . فلا شيء ممنوع لدى الجماعة للوصول إلى الحكم ( مقاومة الظلم حتى الموت ولو نشرا بالمناشير .. ثم مقاطعة الظالمين : لا نواكلهم ولا نشاربهم ولا نجالسهم . وهذه هي الصيغة المثلى للقومة . فلو قدرنا أن نتجنب استعمال السلاح ضد الأنظمة الفاسدة ، ونقاطعها حتى تشل حركتها ، ويسقط سلطانها ، وترذل كلمتها )(ص 36 رجال القومة والإصلاح).
ج ــ تشكيل تنظيم إخواني تحت مسمى لا يثير الريبة لدى النظام ، وهذا من باب الخداع والتحايل( الذي ينقص إخواننا في المغرب ونحن نستقبل قرنا جديدا هو أن تكون للإخوان جماعة دعوية خالصة تقوم بنشر عقيدتنا ، وتعمل على اكتساب أنصار وإخوة جدد وجنود فاعلين ، ولأن الحكومة والأنظمة والممالك والإمارات تريد أن تمكر بالإخوان وتفت في عضدها ، لذلك يجب أن نتمثل قول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه “لست بالخب ولا الخب يخدعني” ، فنعمل تحت اسم آخر غير اسم الإخوان حتى يعمي الله أبصار طواغيت الأرض عنا ). مباشرة بعد هذا التوجيه ، سارعت قيادة “حركة الإصلاح والتجديد” و”رابطة المستقبل الإسلامي” إلى الإعلان عن اندماجهما في شهر غشت 1996 في تنظيم جديد يحمل اسم “حركة التوحيد والإصلاح” دفعا لشبهة الارتباط بتنظيم الإخوان المسلمين في مصر. وفي نفس السنة التحق أعضاء الحركة بحزب عبد الكريم الخطيب ، ممثل النظام الدولي للإخوان في المغرب تمهيدا للخطط الموالية التي رسمها المرشد العام .