سعيد الكحل
تعلن كل تنظيمات الإسلام السياسي عن إستراتيجية الأسلمة التي يستهدفون بها الأسرة والمجتمع والدولة بكل مرافقها ومؤسساتها وقوانينها . الأسلمة مفهوم يدل على تحويل طبيعة سلوك أو تفكير أو تشريع وضعي من حال تراه هذه التنظيمات مبنيا على رؤية”غير إسلامية” إلى حال يترجم الرؤية الإسلامية. فكل هذه التنظيمات تعتبر المجتمعات “جاهليةً” ومنفصلة عن الدين ومن ثم فهي بحاج إلى من يُرجعها إلى الدين ويجعله المهمين على السلوك والتفكير والتشريع. هذا ما نقرأه مثلا لدى الشيخ عبد السلام ياسين : ( إننا في هذا الكتاب خاصمنا طويلا الجاهلية وكشفنا طويلا عن خبايا التغريب واللاييكية ، وعارضنا طويلا الحضارة المادية .. قصدُنا أن نعرف الجاهلية ودخلاءها فينا لنتخذ الاحتياط المناسب ونجد الصيغة المناسبة والأسلوب المناسب لتعمل يد الدولة عملها غير معطِّلة وظيفة الدعوة )(ص479 العدل ) .والأسلمة لا تقتصر على السلوك والمظاهر ، بل تشمل التفكير والمفاهيم التي هي بالنسبة للإسلاميين أدوات لاستعمار العقول وغزوها مثل مفاهيم الحضارة والثقافة وفق ما كتبه الشيخ ياسين (فهي تغزو الألفاظ القرآنية وتزحزح المفاهيم الإسلامية لتحل محلها في الخطاب دون أن يشعر المتكلم المنساق مع العادة الاستعمالية أنه يتناقض عندما نقول :” ثقافة إسلامية”)( ص 474 العدل) . لهذا ستتصدى تنظيمات الإسلام السياسي إلى كل مظاهر العصرنة وجهود التحديث والتنوير باسم الحفاظ على الهوية . هكذا نجد حزب العدالة والتنمية مثلا ، جعل من أهداف وجوده ومشاركته السياسية من داخل المؤسسات الدستورية “الاشتغال على قضايا المرجعية والهوية ” بما تعنيه من أسلمة القوانين وإلغاء كل ما يراه “مناف” للشريعة كما يتصورها. وقد استطاع أن يعرقل جهود التحديث بتنفيذه للتعليمات التي سطرها المرشد العام للإخوان بهدف “التمكين” في المغرب استعداد للزحف على الحكم (لن يكون التمكين إلا بالأخذ بالأسباب فلتضعوا خططكم أنتم أعلم بواقعكم فأهل مكة أدرى بشعابها ، واجعلوا أمركم بينكم شورى ولكن إخوانكم في المقر الدولي لهم بعض الملاحظات لعلكم تأخذون بها ..).
1 ــ رصد “مخططات الأعداء” (الدولة ، الأحزاب ، النقابات ، الجمعيات ..) عبر إنشاء مؤسسات بحثية ترصد كل المتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية حتى يتمكن الإسلاميون من التحكم فيها كما جاء في رسالة المرشد العام إلى إسلاميي المغرب( يوجد لديكم نقص كبير في رصد مخططات الأعداء ويرجع ذلك أنه لا يوجد لديكم مؤسسات بحثية وحركية مختصة بذلك ومن ثم فإن تصوراتكم عن المؤسسات الهدامة التي تعادي الدعوة ليست على المستوى المطلوب .فينتج عن ذلك أن كل تحركاتكم لمواجهة أعداء الدعوة هي من نمط رد الفعل).وبالفعل سيركز الإسلاميون جهودهم على تأسيس مؤسسات بحثية تخدم مشروعهم و”ترصد مخططات الأعداء”، ومنها : “المركز المغربي للأبحاث والدراسات المعاصرة” الذي تأسس سنة 2009 ، ويسعى ، حسب مؤسسيه المنتمين لحركة التوحيد والإصلاح ، إلى “المساهمة في تطوير المعرفة بقضايا المغرب ومحيطه، وتحليل تحدياته واستشراف آفاق تطوره، كما تتطلع إلى الاستيعاب المنهجي والمقارن للتحولات الراهنة في المجتمع والدولة في المغرب وذلك وفق القواعد المنهجية الحديثة للبحث والدراسة” ؛ ثم “المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات” التابع لجماعة العدل والإحسان ويسعى ، حسب مؤسسيه إلى “تشجيع البحث العلمي والدراسات حول قضايا المغرب والمغاربة من خلال رصد وتشخيص الحالة، وتحليل السياسات العامة، ودراسة السيناريوهات، وإعداد البدائل المنسجمة مع مصلحة المغرب”، فضلا عن “مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية” و”شبكة ضياء للمؤتمرات والدراسات”. إنها بنية إيديولوجية متكاملة تخدم مشروع التنظيم الدولي للإخوان لإقامة “دولة الخلافة” وهدم ما تسميه جماعة العدل والإحسان “دولة السلطان”.
2 ــ إعداد الدراسات والأبحاث “يجب عليكم إعداد الدراسات والأبحاث والتصورات المستقبلية وخطوات العمل الإسلامي في مجالات السياسة والإعلام والاقتصاد..”.وهذه الأهداف والمجالات هي التي تركز عليها المراكز البحثية التي أسسها إسلاميو المغرب تنفيذا لتعليمات المرشد العام للإخوان حتى تتجاوز رد الفعل إلى التخطيط واستشراف التحولات بهدف استغلالها والإعداد لما بعدها.
3 ــ ممارسة كل أشكال الضغط على الملك لتقليص صلاحياته والحد من سلطاته ( يجب عليكم العمل على إيجاد قنوات مع النظام دون المساس بثوابت الجماعة ، مع مراعاة المستهدف وهو تقليص صلاحيات الملك تدريجيا عن طريق استخدام القوى السياسية الفاعلة وحركة الجماهير للضغط على الملك) . وهذا النهج اختار السير عليه حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، بحيث يُظهران الولاء والطاعة للملك ويتحاشيان الصدام مع النظام ، لكن في نفس الوقت ينازعانه السلطة الدينية ويسعيان لتجريده منها ( في ماي 2003 صدر حوار للدكتور الريسوني الذي كان رئيسا لحركة التوحيد والإصلاح تطاول فيه على الملك بأن طالب بتجريده من صلاحياته الدينية المتمثلة في إمارة المؤمنين ومنحها لمن هو أهل لها ). وتلت هذه الواقعة مواقف أخرى مارس فيها الحزب والحركة كل الضغوط على النظام والدولة بتجييش الأتباع والمتعاطفين (مسيرة 12 مارس 2000 بالدار البيضاء ضد مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية ) ، أو باستغلال الحركات الاحتجاجية في ابتزاز الدولة لتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية أوسع وعرقلة الانتقال الديمقراطي الحقيقي (استغلال حركة 20 فبراير عند تعديل الدستور قصد تضمينه عناصر “الأسلمة” التي ستسمح للحزب بممارسة الرقابة الدينية على التشريعات والقوانين ومن ثم منازعة الملك فعليا سلطات إمارة المؤمنين بالطعن في القرارات أو القوانين التي لا تخدمه مشروع الأسلمة الضغط لفتح السوق المالية المغربية أمام ما يسمى بالبنوك الإسلامية خروج قيادات من البيجيدي تحرّم الاستفادة من القروض التي رصدها برنامج “انطلاقة” لدعم المقاولين الشباب ).