سعيد الكحل
أثبتت الرسالة التي نشرتها صحيفة “النهار العربي” عن ارتباط فرع الإخوان بالمغرب بالأصل في مصر أن هذا الأخير يتحكم في كل التفاصيل التي تخص فروع التنظيم ، ويحدد لها مجالات أنشطتها والمواقف التي عليها الالتزام بها أو اتخاذها . على هذا الأساس يتصرف قادة تنظيمات الإسلام السياسي في المغرب وفق التوجيهات التي يرسمها المرشد العام للتنظيم الدولي في مصر قبل أن يخسف به الرئيس السيسي بنيان التنظيم . ومن هذه التوجيهات التي هي بمثابة أوامر ، بالإضافة إلى ما سبقت الإشارة إليه سابقا :
4 ــ التغلغل في مؤسسات الدولة :”من أجل ذلك يجب عليكم العمل على الوجود الفاعل والمؤثر في أنشطة المجتمع السياسي والدعوي والإعلامي والاقتصادي والتغلغل في مؤسسات الدولة ..” والغاية من هذا التوجيه ألا ينشط الإسلاميون على هامش المؤسسات الرسمية والدستورية للدولة حتى لا يبقى دورهم معزولا وتأثيرهم ضعيفا . بل لا بد من اختراق مفاصل الدولة والتغلغل في دواليبها ومؤسساتها للتعجيل “بالتمكين” والانتقال من مرحلة “الضعف” إلى مرحلة “القوة” كما ورد في رسالة المرشد العام لإخوان المغرب (هذه رسالة لإخواننا في المغرب ، وهي الرسالة الثالثة التي يأفل بها هذا العقد وهي خطة عمل ننهي بها القرن العشرين ونبدأ بها قرنا جديدا يكون فيه التمكين بإذن الله تعالى ، وبهذه الخطة سيتحول فيها إخواننا في المغرب من مرحلة الاستضعاف والصبر السلبي إلى مرحلة القوة والصبر الإيجابي ليفتح الله لهم حكم بلادهم فيكونوا درعا للإخوان وحكومة من حكومات دولة الخلافة المنشودة لترفع راية الإسلام خفاقة من المشرق إلى المغرب وتكون كلمة الله هي العليا) . فمشروع التنظيم الدولي للإخوان هو إقامة حكومات إسلامية في الدول العربية ثم توحيدها في دولة الخلافة قبل أن ينتهي القرن الواحد والعشرين .فمشروع الإخوان
هذا لا يستعجل استعمال العنف للوصول إلى السلطة بسبب اختلال ميزان القوى لصالح النظام . لهذا جاء هذا التوجيه يحث الإخوان على التغلغل في الدولة ومؤسساتها ، مما سيمكنهم الآليات القانونية والدستورية لمراقبة التشريعات وتقليص صلاحيات الملك (يجب عليكم العمل على إيجاد قنوات مع النظام دون المساس بثوابت الجماعة ، مع مراعاة المستهدف وهو تقليص صلاحيات الملك تدريجيا ). لأجل ذلك ستركز أطروحة المؤتمر السادس للحزب على أهمية التوغل في المؤسسات المنتخبة لما تتيحه من فرص فرض الرقابة على الدولة وقوانينها ، وكذا تمرير وترجمة اختيارات الإخوان إلى تشريعات ملزمة للجميع ( على أن الاشتغال على قضايا المرجعية والهوية والقضايا الأخلاقية وجب أن يتم ضمن آليات الاشتغال وأدوات الخطاب السياسي ، أي باعتبارها من قضايا السياسات العمومية مما يقتضي التركيز على مقاربتها مقاربة قانونية وتشريعية ورقابية . فمقاربة الحزب لقضايا الهوية والأخلاق تتم بترجمتها إلى إجراءات عملية واقعية ومقترحات مفصلة مع آليات التنفيذ ، وهو ما يعني اقتراح سياسات عمومية في إطار برامج سياسية تطرح ديمقراطيا ضمن المؤسسات المنتخبة ذات الصلاحية ) . وهذا يعني توظيف المؤسسات الدستورية لخدمة المشروع السياسي للإخوان ، مما يجنب الصدام مع الدولة ويسمح ، في نفس الوقت بتقليص صلاحيات الملك ، وفق توجيه المرشد العام (إيجاد قنوات مع النظام دون المساس بثوابت الجماعة ، مع مراعاة المستهدف وهو تقليص صلاحيات الملك تدريجيا). وقد سمح هذا “التغلغل” للإخوان في الدولة بفرض اختياراتهم عليهم ،ومنها ما شددت عليه حركة التوحيد والإصلاح ، قبل تعديل الدستور سنة 2011 ، بكونها تتشبث بـ ( دعم مبدأ إسلامية الدولة باعتباره معطى تاريخيا ومكسبا دستوريا ومبدأ غير قابل للمراجعة وإعطاؤه مصداقية في الحياة العامة ، بحيث يعلو على جميع بنود الدستور
ويكون منطلقا في الحكم على دستورية القوانين والأحكام التي تصدرها المؤسسات التشريعية والقضائية والتنفيذية . إن الإقرار بإسلامية الدولة يقتضي اتخاذ الشريعة مصدرا أعلى لجميع القوانين كما يعني من الناحية العملية بطلان جميع القوانين والتشريعات والسياسات التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية )( الرؤية السياسية ـ حركة التوحيد والإصلاح ) .واستطاع الإخوان ، بهذه التغلغل والاختراق فرملة تطوير التشريعات بما ينسجم مع الالتزامات الدولية للمغرب وكذا المواثيق والاتفاقيات التي صادق عليها ، والمتعلقة بحقوق المرأة والطفل. وتجسد مدونة الأسرة بشكل جلي نتائج هذه التغلغل ، حيث تُحرم بنودها المرأة والطفل من كثير من حقوقهما التي ينص عليها الدستور والمواثيق الدولية ، ومنها مثلا : حق الأم في الولاية على أبنائها ، وحق الطفل في الانتساب إلى أبيه البيولوجي . الأمر الذي جعل الهيآت النسائية والحقوقية تطالب بـ“إصلاح شامل لمدونة الأسرة وملاءمتها مع الدستور ومع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان ومع روح العصر، ورفع كل أشكال الحيف والتمييز التي تكرسها ضد النساء والأطفال”و “تفعيل مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية المصادق عليها على التشريعات الداخلية المنصوص عليها في ديباجة الدستور، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تستوجبه عملية المصادقة عليها”.(من بيان فدرالية رابطة حقوق النساء عقب الحكم الذي أصدرته محكمة النقض الذي يلغي حكم المحكمة الابتدائية بطنجة بإلحاق مولودة خارج مؤسسة الزواج بأبيها البيولوجي).
هاكذا استطاع الإسلاميون ، عبر خطة التغلغل ، ليس فقط تكريس قوانين التمييز القائم على النوع ، ومصادر حق الطفل في النسب ، بل أيضا تعطيل تفعيل الدستور(هيأة المناصفة التي لم تر النور بعد) وفرملة جهود الدولة في التحديث (مناهضة تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية ،رفض إلغاء تزويج القاصرات ، رفض تجريم الاغتصاب الزوجي ..) .