سعيد برادة
في كل لوحة يبحث الناقد عن نقطة الضوء التي تسمح له بانطلاق حركة القراءة وتتبع مسارات الألوان كما يقول موريس ميرلوبونتي، ونقطة الضوء في لوحتنا اليوم هي انتصار القضاء الإداري لحق المثقفين المغاربة التسعة الذين حازوا جائزة المغرب باستحقاق فعاقبهم المسؤول السياسي عن قطاع الثقافة السيد بنسعيد بسحبها منهم لمجرد أنهم طالبوه بتفعيل قانون الجائزة ولم يحدث أن رفضوها أو استخفوا بها..المهم أن القضاء في هذا الحدث الموشوم في ذاكرة المغرب الثقافي بكل المقاييس لن ينسى أبدا أن القضاء برمزيته وسموه وشرف بذلته انتصر للقلم على السيف بلغة ابن خلدون.
كنت سعيدا أنا المتابع للشأن الثقافي فعلا وانا أصغي لكلام الأستاذ أحمد البوخاري المحامي المثقف والخبير في القانون الإداري وهو يشرح بمهنية عالية واطلاع دقيق وخبرة طويلة حيثيات الطعن في القرار المتسرع لوزير الثقافة وعيوبه التي أصبحت، ويا للأسف، عيوبا تلاحق تدبير الثقافة والشأن الثقافي ودعم القراءة و الكتاب في بلادنا، ويكفي أن يلقي الإنسان نظرة خاطفة على ملف دعم الكتاب لهذا الموسم فيقف على هول مصيبتنا الثقافية وفداحة رزيتنا في السياسة الثقافية التي لا توازيها رزية.
ما يعنينا في هذا السواد المطبق على النفوس من جراء متابعة “الفشل الثقافي” قياسا على الفشل الكلوي المزمن هو نقطة الضوء التي أطلقها القضاء الإداري الذي أعطانا إشارة تفاؤل ورشفة حياة وشرارة أمل أن المغرب ما يزال بخير في ظل الشرفاء من كل الأطياف الذين يرابطون في محاكمنا والذين يحملون على عاتقهم حماية إنسانيتنا من التلاشي وجمالياتنا من الانقراض.
لقد قضت المحكمة في نزاهة وبشجاعة بإلغاء قرار وزير الثقافة القاضي بسحب الجائزة من أصحابها وانتصرت للحقيقة وللفكر وللإبداع وللثقافة، إن حكم القضاء بإلغاء قرار الوزير هو رسالة قوية للداخل والخارج أن مغربنا الجميل رغم ما يعانيه من أعطاب وكسور بسبب سوء إدارة بعض أبنائه وطيشهم وجشعهم ما يزال بخير ما دام صمام الأمان فيه قويا، إنه صمام القضاء العادل الذي يحمل الناس على احترام العدالة، لأن العدالة كما يقال هي الجواز الذي يمكن أن نعبر به العالم، إنها أعظم دبلوماسية عابرة للحدود يمكن أن نخاطب بها البشر في هذا العالم، أما العسف والظلم فإنه أكبر معول نهدم به حقيقتنا ومصداقيتنا بين الأمم.
باحث في مجال الحقوق الفكرية