سعید بعزيز
منذ بداية الأزمة الحرجة التي تمر منها البلاد، انخرط الجميع، مواطنات ومواطنون ومؤسسات وهيئات، عن قناعة، في إطار كتلة وطنية موحدة بقيادة ملكية، أبانت من خلالها الدولة على تجسيد أدوراها الاجتماعية من خلال الحماية والصيانة المشتركة لأفراد المجتمع عبر الاعتماد والتركيز على قدراتها الذاتية والمتواضعة، لمعالجة المخاطر التي تهددهم في صحتهم وسلامتهم، وتأكيدها على أن الإنسان قبل الاقتصاد، فعادت الثقة في المؤسسات إلى الواجهة، وتقرر تأجيل كل الإجراءات المحاسبتية والخلافات السياسية إلى ما بعد الأزمة، بعدما تأكد أنه لا مجال للحديث عنها في مرحلة حالة الطوارئ الصحية، من أجل الحفاظ على فعالية الإجراءات والتدابير المتخذة لمواجهة تفشي فيروس كورونا ـ كوفيد 19 في بلادنا.
وفي سياق هذا التلاحم الوطني، أعطى جلالة الملك توجيهاته من أجل الإحداث الفوري للصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا “كوفيد ـ 19″، على أن تخصص اعتماداته المالية لتأهيل المنظومة الصحية، ودعم الاقتصاد الوطني، والحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف من التداعيات الاجتماعية لجائحة فيروس كورونا ـ كوفيد 19.
القرارات الملكية الحكيمة، ساهمت في تخفيف ألم جائحة كورنا ومعالجة تداعياتها، مما جعل الجميع يتجه نحو المستقبل، ويفكر في كيفية تجاوز المخاطر الاجتماعية والاقتصادية المحدقة بالبلاد، سيما الأمن المجتمعي والتنافسية الاقتصادية في مرحلة ما بعد الجائحة، المفتوحة على كل الاحتمالات.
لكن، مباشرة بعد إعلان تمديد حالة الطوارئ الصحية لمدة شهر إضافي، تعالت أصوات للمطالبة بتوفير مقومات العيش الكريم للأسر الفقيرة والهشة، بالقرى وهوامش المدن، ضمانا لحقهم في الحياة، فكشفت عن خيبة الحكومة في تولي مسؤولية إيصال الاعتمادات المرصودة بصندوق تدبير الجائحة إلى الفئات الاجتماعية والمقاولات التي تستحقه فعلا، لينضاف إلى فشلها في تدبير عملية عودة المغاربة العالقين بالخارج إلى أرض الوطن، وإلى منشور رئيس الحكومة الذي تقرر بموجبه تأجيل تسوية جميع الترقيات المبرمجة في ميزانية السنة الجارية، وجميع مباريات التوظيف ما عذا تلك التي سبق الإعلان عن نتائجها….إلخ.
وتجاوز الأمر ذلك، إلى خروج شعبوي لوزير الشغل والإدماج المهني، يتهم عن حق في اجتماعات رسمية، بعض مقاولات التعليم الخصوصي، بتقديم تصريحات مغلوطة من أجل الاستفادة من الدعم المخصص للفقراء والمقاولات في وضعية صعبة، تاركا إياها تمتص دماء الآباء من جهة، وثدي المال العام من جهة ثانية، مطبقا مقولتهم الشهيرة “عفا الله عما سلف”، ومتجاهلا مبدأ عدم الإفلات من العقاب.
وفي عز الأزمة، وما يرتبط بها من تظافر للجهود من أجل الخروج بالبلاد إلى بر الأمان، يتدارس المجلس الحكومي مشروع قانون رقم 22.20 يتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، ويصادق عليه بإجماع أعضاء الحكومة، مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات المثارة في شأنه، على أن تتم دراستها من قبل اللجنة التقنية ثم اللجنة الوزارية المشكلتين لهذا الغرض، ليسجل بذلك انتكاسة حقوقية، كان يحاول تمريرها في بحر سنة 2018 لما خرج الوزير المنتدب المكلف بالشؤون العامة والحكامة آنذاك، إلى الشارع للاحتجاج ضد غالبية الشعب المغربي المشاركين في مقاطعة اقتصادية لبعض المنتوجات.
واستنادا على مسودة هذا المشروع البئيس، يخرج وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، ليلعب دور البطل المدافع عن حقوق الإنسان، ويطالب بتعميم الحرمان من حريتي الرأي والتعبير فيما يتعلق بالأمن الاقتصادي عبر تجريم إعاقة ممارسة النشاط الاقتصادي في شموليته وليس فقط المقاطعة الاقتصادية.
إثر ذلك، ستنطلق شرارة احتجاجات مشروعة، ضد مقدم المشروع في المجلس الحكومي، بتوجيه وإدارة محكمة من الوزراء المحسوبين على قيادة الحكومة، يحالون إخفاء المراحل التي مرت منها المسودات المتواجدة برفوفهم، من حيث الزمن والوزراء الخمسة المعنيون بها، خاصة أن الأمر يتعلق بمشروع قانون أفقي يمتد ليشمل مجموعة من القطاعات الحكومية، التي يتعذر عليها تقديمه مجتمعة خلال انعقاد المجلس الحكومي، بل يقتصر على تقديمه عضو واحد فقط.
وبدل أن يخرج رئيس الحكومة، أو على الأقل الوزير المكلف بمهام الناطق الرسمي بإسم الحكومة للتوضيح، في إطار ما ينبغي أن يتسم به العمل الحكومي من وضوح وشفافية، انخرط بعض أعضاء الحكومة المحسوبين على رئيسها، في تكريس التشويش على التلاحم الوطني في زمن حالة الطوارئ الصحية.
وفجأة، وخرقا لظهير 1.20.36 الصادر في 10 أبريل 2020 بتعيين أعضاء الحكومة، يأتي وزير الشغل والإدماج المهني ليلعب دور الوزير المكلف بمهام الناطق الرسمي بإسم الحكومة، في شريط مصور يقدم فيه ما راج في المجلس الحكومي المنعقد في 19 مارس، أي منذ حوالي شهر ونصف، بطريقة يحاول من خلالها تبرئة رئيس الحكومة، قائد الحزب الأغلبي، ومقترح أعضاء حكومته على جلالة الملك.
لم يتوقف عند هذا فقط، بل تجاوز إلى إصدار بيان حزبي، يحمل توقيعه، ويوجه من خلاله دعوة إلى الحكومة التي يعتبر عضوا فيها، بأن تعمل على ملاءمة مشروع القانون الذي سبق أن صادق عليه مع مبادئ وغايات الدستور المغربي، في إطار الشعبوية والتملص من المسؤولية أمام أعضاء شبيبة حزبه.
فهل بهذه الحكومة، وشطحاتها المخلة بالتلاحم الوطني، وعملها اليومي الذي يسطر ضمن أولوياته تصفية الحسابات السياسية، سبتم بناء الثقة في المؤسسات، والعمل على كسب رهان السيادة الوطنية ومستقبل البلاد، ما بعد جائحة كورونا؟
نعم، إن ما يشغل البلاد في الوقت الراهن هو الانتصار على تفشي الجائحة، وتجنب السقوط في الأسوأ، من أجل الخروج في أقرب وقت ممكن إلى بر الأمان بأقل الخسائر.
لكن، بأية حكومة، ستواجه البلاد التداعيات الصحية والاجتماعية والاقتصادية المطروحة في ظل مستقبل مفتوح على الاحتمالات؟ وبأية حكومة ستوضع استراتيجية شاملة للتعايش مع الأزمة الاقتصادية العالمية غير المسبوقة وتجاوز تداعياتها على الاقتصاد الوطني، وكسب تحديات الراهن والمستقبل؟
إن البلاد أمام تحد يهم المجتمع برمته بكل أطيافه السياسية والمجتمعية، ولا يتعلق بطموح سياسي لحزب معين دون آخر، يسار أو وسط أو يمين، بعيدا عن الخلافات والمزايدات السياسية الضيقة، ومفهومي الأغلبية والمعارضة، من أجل تعبئة شاملة، بكل وعي ومسؤولية لمغرب الغد، مغرب ما بعد كورونا.
فتحضير الاستراتيجيات المستقبلية، والعمل على إعداد بديل اجتماعي واقتصادي حقيقي، يهدف إلى إعادة البناء الاقتصادي ومراعاة الفئات الاجتماعية الهشة والفقيرة ومجابهة تسريح الأجراء، يحتاج حتما إلى توفير شروط ذاتية وموضوعية، بعيدا عن السجال السياسي.
فهذه التحديات والرهانات الأساسية من جهة، وتصرفات أعضاء حكومة الكفاءات والتي لا تستجيب وحاجيات الشعب المغربي من جهة ثانية، هي الدافع وراء طرح سؤال الحاجة إلى حكومة وحدة وطنية تستمر في بناء التلاحم والاجماع الوطني، وإنقاذ البلاد.