أجرت صحيفة “24 ساعة” الإلكترونية، حوارا مع خالد فتح الرحمن سفير السودان في المملكة المغربية تطرقت فيه الى الوضع الراهن في السودان وموقف السودان من مقترح الحكم الذاتي وعودة المغرب الى الاتحاد الأفريقي واحتضانه لمرصد الهجرة وآفاق التعاون الثنائي والشراكة الاستراتيجية المرتقبة بين البلدين.
وفي ما يلي الجزء الثاني من الحوار :
نعود إلى المغرب و إلى الجالية السودانية في المغرب و هي تنتظر منك الكثير بما أنه توجد إشكالات تعيشها بشكل يومي . ماذا تريد أن تقول للجالية السودانية المتواجدة في المغرب خصوصا مع استحضار الوضع داخل السودان؟
الجالية السودانية في المملكة المغربية تنعم بتقدير كبير من المغرب حكومة وشعبا وأنا لم أزر مسؤولا مغربيا إلا و امتدح أعضاء الجالية السودانية و معظمهم كانوا طلابا في الجامعات المغربية حظوا برعاية كبيرة من المملكة المغربية حتى أنجزوا دراساتهم كما بقي بعضهم للعمل هنا في المملكة المغربية لذلك تسبقهم سمعتهم الدراسية و المنهجية التي اكتسبوها و التي توشجها التقديرات الجيدة من الأساتذة الذين درسوهم و الذين يعتبرون الطلاب السودانيين من أقوم وأنجح الطلاب الذين عهدوهم في مقاعد الدراسة. الجالية السودانية ليست كبيرة في حجمها لذلك العلاقة بينها و بين السفارة علاقة وشيجة و قوية و هناك تواصل يومي بيننا و بينهم. هنالك مجلس لإدارة الجالية يجتمع بصفة دورية و هنالك قنوات للتواصل مع السفارة بشكل يومي وبوثيرة متسارعة وعلى اختلاف الرؤى السياسية. نحن هنا في سفارة السودان نجد أنفسنا في مقام الاحتفاء بالكل و الاعتناء بمشاكل الكل و النهي عن كل ما يجلب الاختلافات و التباينات فنحن قد نختلف في رؤانا السياسية كجالية كل له مذهبه و لكننا في نهاية المقام سودانيون يربطنا الانتماء الى بلد واحد و روح واحدة و ثقافة واحدة و هدف واحد و هذا هو الذي سننطلق به خلال السنوات المقبلة باعتبار أن السودان هو الأرضية المشتركة والمصير المشترك والحلم المشترك.
نبقى هنا في المغرب. أنتم تابعتم المرصد الافريقي للهجرة الذي أطلقه الملك محمد السادس ، كيف قرأتم هذه السياسة الملكية للتعامل مع أكبر و أضخم ملف مطروح على القارة الافريقية ألا وهو ملف الهجرة ؟
لقد تشرفت مع الوفد السوداني بحضور مؤتمر الهجرة الذي انعقد في شهر ديسمبر في مراكش. الوفد السوداني الذي كان له إسهامه من منطلق أن السودان نفسه لديه إعلان كبير عالمي مشهور في مقام الهجرة لأنه من الدول التي لا أريد أن أقول تعاني ولكن التي تشهد هجرات عبر أراضيه سواء هجرات من الدول المجاورة إلى داخل السودان أو هجرات تتخذ السودان معبرا نحو دول أخرى. وهذا الأمر طبعا له سلبياته الكبرى وأيضا له إيجابياته التي ينبغي أن نعتد بها ونعرف موطئ قدمنا في كل ما يقتضيه هذ الملف من إدارة حكيمة. المملكة المغربية تشهد أيضا هذه الهجرات المتطاولة والمتسارعة من الدول الافريقية جنوب الصحراء و تتخذ المملكة المغربية معبرا و هذا ما يجعل المغرب بلدا استراتيجيا حقيقيا في إدارة ملف الهجرة كما أنه أكثر البلدان الافريقية المعنية بهذا الملف وقد شهدنا كيف وضعت المملكة استراتيجية بثتها خلال مؤتمر الهجرة في مراكش تبين عن حكمة كبيرة و عن هوية عظيمة في الاعتداد بنهج يراكم و يعاظم من القيم الإيجابية للهجرة و ينهى ويباعد بينه و بين الافرازات السلبية لملف الهجرة. السودان دعم الموقف المغربي في هذا المقام خلال مؤتمر مراكش و دعا إلى مساندته بكلمة ألقاها الأخ وزير الدولة للخارجية السوداني في هذا المقام ولازلنا نعتد بسياسات المغرب في مجال الهجرة باعتباره من أكثر الدول تأثرا بها ونعتد كثيرا بحكمة أهل المغرب في إدارة هذا الملف بما يسعد الأفارقة مما يعظم من القيم الإيجابية للهجرة ويحاول إنهاء كل السلبيات التي تدور في هذا الصدد.
سنحاول أن نطرح السؤال حول الملف الشائك الذي عانيتم منه في السودان وهو ملف قضية الصحراء المغربية. هل تغير الموقف السوداني خصوصا أننا مقبلون على جولة جنيف الثالثة على طاولة المبعوث الأممي. كيف ترون في
لنعد إلى السودان ، ماهي حقيقة ما تدعيه السلطات الرسمية انه هناك تدخلات أجنبية في السودان في ظل الاحتجاجات الحالية، كيف ترى هذا التدخل في القارة الافريقية التي تعاني أصلا من مشاكل و إكراهات تعيق التنمية نحو المستقبل ؟
نظرية المؤامرة التي تستخدم في هذا المقام لم تشهد لها فاعلية كما حدث في القارة الافريقية تطبيقا لمنطق الاستعمار الذي أدار هذه القارة ورسم حدودها وفق مزاجه ومصالحه. لذلك لا تخلو هذه السياسات مما نعتبره نحن تآمرا حقا من جانبهم. وفي الواقع نحن لم نشهد في القارة الافريقية بلدا عانى من التآمر عليه طوال عهده الوطني من بعد الاستقلال من قوى دولية و إقليمية كما عانى السودان. ومصدر ذلك أن السودان دولة ذات ثروات كبيرة فالسودان ليس بلدا فقيرا السودان بل هو بلد غني بأهله وبموارده البشرية و الطبيعية وبخصوبة أراضيه ، بنيله ، بمياهه ،بمعادنه ، و هو من قلة قليلة من البلدان التي مازالت بكرا لأن مواردها لم تستغل بعد. لذلك تشن الهجمات عليه و قد بدت واضحة في كثير مما شهده السودان مؤخرا من معاناة وحصار اقتصادي جائر لربع قرن كامل ، و السودان يعاني من حصار لو عانت منه دولة أخرى لانقسم ظهرها ، ولكن حكمة أهل السودان و تضافر جهودهم في الملمات فوتت الفرصة و جعل من السودان بلدا يعتد بذلك. صحيح أن جنوب السودان انفصل ولكن ذلك أمر آخر وترتيبات أخرى شاءتها أقدار وسياقات مختلفة ، لكن ما شهدناه في الاحتجاجات الأخيرة نقول أنها بدأت من منطلق الحقوق الصحيحة فالذين خرجوا في بداية الاحتجاجات كانوا يطالبون بإصلاح معاشهم و بمنحهم فرصة في أن تكون حياتهم أكرم و أشرف و كل ذلك مما تعتد به الدولة و تعتقد بأنه من حق المواطن أن يخرج و يعبر عن مصيره ، والدولة ستظل على مبدئها بأن أي خروج سلمي هو خروج يعتبر و ينبغي أن يحاط بكل مايجعله مثمرا و مسفرا عن تعبير عن حقوق الناس ، لكن تدخلت بلا شك أيدي أخرى وهو أمر منطقي أن تتدخل أيدي في مثل هذه الظروف لكن الآن تم تفويت الفرصة ولذلك نعتقد و مازلنا نعتقد بأن للشعب حقا كاملا في الخروج للتعبير عن مواقفه و عن حقوقه وهو أمر يعتد به من قبل الدولة وهذا يدفع الدولة حقيقة إلى مزيد من التجويد لأن ثمة اختناقات نجمت عما يمكن أن نسميه بالخلل الإداري في بعض الملفات في السودان. هذه حقيقة لا ننكرها لكن كل ذلك أبان في نهاية المطاف عن أن السودان دولة مستقرة ودولة قوية بأهلها ، قوية بشعبها وأن الوشائج الاجتماعية بين أهل السودان قادرة دائما على أن تفوت على من يريد بالسودان أن يسقط في وهمها من التشرد و الانكسار و هو ما اتضح أخيرا. الآن الأمور تمضي في سبيل جيد وهناك تهدئة واضحة في الوضع السوداني و الحكومة ملتزمة بأن تدفع إلى الأمام بما يفيد الشعب السوداني ويجنبه آثار الضائقة الاقتصادية.
آخر سؤال ، كيف يمكن أن نجمع بين الشاعر و الدبلوماسي في سلك مليء بالصخب و بشكل يومي ،كيف يمكن أن نجمع بين الشاعر الهادئ و الدبلوماسي رجل المهمات الصعبة إن صح التعبير ؟
أنا دائما أقول أن الشعر هو فن المستحيل و السياسة هي فن الممكن فلك أن تنظر بتعجب كبير لهذه المفارقة في إنسان يحاول الجمع بين الممكن و المستحيل في لحظة واحدة.
الدبلوماسية تمنح الشاعر تجارب عديدة و لكنها تكسر شوكة الشعر فيه. الشعر لابد أن يكون فيه شوك لأنه كائن متوحش بطبعه لا يقبل القمقم. هو عفريت ينطلق من القمقم ولا يريد أن يعود إليه. وربما تواصلت مع الشعر و ارتضيت أن أكتب معه رؤية استراتيجية للتهدئة بيني و بينه لكي نصل أنا و هو إلى منطقة وسطى لا تبتعد عن الشاعر ولا عن الدبلوماسي.
وعموما فالشعر أكبر من الدبلوماسية بمقدار اتساع عوالم الشعر ومع ذلك يمكن للشعر أن يعين في الدبلوماسية ولي كتابات كثيرة تعبر عن أفكار سياسية في قوالب شعرية وهو ما يخرجني كثيرا من ضآلة العائد السياسي و من حالة الارتباك التي تشوب المشهد السياسي عامة ومن العبث الذي نجابهه في إدارة الملفات الدبلوماسية.