أجرت صحيفة “24 ساعة” الإلكترونية، حوارا مع خالد فتح الرحمن سفير السودان في المملكة المغربية تطرقت فيه الى الوضع الراهن في السودان وموقف السودان من مقترح الحكم الذاتي وعودة المغرب الى الاتحاد الأفريقي واحتضانه لمرصد الهجرة وآفاق التعاون الثنائي والشراكة الاستراتيجية المرتقبة بين البلدين.
وفي ما يلي الجزء الأول من الحوار :
نبدأ بأول سؤال السيد السفير، فقد حظيت باستقبال ملكي رفقة مجموعة من السفراء مؤخرا في القصر الملكي، ماهي الصورة التي كانت لك عن المملكة المغربية قبل تعيينك فيها ؟
أولا أنا سعيد بزيارتكم ولي الشرف أن أكون معكم فمنذ أن حضرت إلى المملكة المغربية قبل حوالي 5 أشهر وأنا محمول على أكف الراحة، لم أحس أبدا بأنني انتقلت من دار إلى دار و إنما انتقلت من داري إلى داري .
وجدنا كل التعاون منذ قدمت أوراق اعتمادي الأولى للكاتب العام لوزارة الخارجية و التعاون الدولي، و انطلقنا في أنشطة صحيح أنها كانت محدودة نسبة لأننا كنا ننتظر التشرف بلقاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس و هو اللقاء الذي حقيقة تشرفت به . التقيت جلالته و سمعت منه كلاما طيبا أيقنت به أنني هنا في بلدي . تلك كانت لحظة فارقة في تاريخ حياتي كله ،ومنذ تلك اللحظة وأنا أحس بأن كل رغبتي في الأداء قد تكاملت وتنامت لتمنحني ثقة كبيرة في أن أقدم على عمل أتوقع أن يكون كبيرا في تحقيق رؤى المحبة و الصداقة و المودة و التعاون بين البلدين .
نتحدث عن تاريخ العلاقات المغربية السودانية و أفق تطويرها ، كيف تقرأ حصيلة السنوات الماضية و سبل تطوير العلاقات الثنائية ؟
كما تعلم لقد وفدت حديثا إلى المغرب كما ذكرت في بدايتي الأولى وأنا مازلت أقلب ملفات كثيرة ولكنني قبل أن أحضر إلى المملكة المغربية عكفت على دراسة الملفات التي تقول بأن هذه العلاقة تاريخية و ضاربة في القدم الثقافي و المعرفي وفي المصاهرات الاجتماعية بين المغرب و السودان. وهي قد لا تلوح في أفق إعلام الكثيرين ولكنه تاريخ مليء بمصاهرات امتدت لنحو 600 سنة ، منذ عهد السلطنة الزرقاء في السودان و عهد المملكة المغربية المتصلة منذ 600 عام و أكثر. وكما تعلم بين السودان و المملكة المغربية توشيج روحاني صوفي بين الطرق الصوفية الموجودة و على وجه الخصوص الطريقة التيجانية وإخوتنا الأدارسة في فاس ، ونحن في السودان عندنا مثل يقول ” فاس ما وراها ناس ” باعتبار أن حدود المغرب مع أهل السودان تكفى بأن تكون مع حدود فاس و هذه تمثل ملمحا من ملامح هذه الثقافة.
وقد اتصلت هذه الرؤى السودانية اثر تبنى السودان المذهب المالكي قديما منذ أيام السلطنة الزرقاء قبل 400 سنة و تبنى المذهب المالكي أساسا لأنه وفد من المغرب ، فالسودان كان طريق عبور بالنسبة للأخوة المغاربة نحو الحج فكان منهم من يأتي إلى السودان و يواصل مسيره إلى المشاعر المقدسة ثم يعود فيبقى في السودان. هذه انسيابية نعتادها و نشهدها في هذه المصاهرة الكبيرة بين الشعبين وفي السودان هناك قبيلة كبيرة اسمها “قبيلة المغاربة” توجد في الحجاز وتوجد أيضا في السودان . وهذه القبيلة لها تفاعلات ثقافية و روحية كبيرة داخل الأرض السودانية ربما لا تلوح للكثيرين في أفق الرؤيا ولكنها بالنسبة لنا واقع عملي نعايشه يوما بعد يوم . كنا نأمل لهذه العلاقة أن ترتفع مسافة أعلى في مقياس التعاون الكبير في المجالات الاقتصادية و الاستخبارية و هذا هو المأمول حقا .
إخوتي السفراء الذين سبقوني بذلوا جهدهم ووسعهم في أن ينفذوا بهذه العلاقة لواقع المصلحة المشتركة التي تقول للشعبين أن هاته العلاقة لا تقف عند حدود الروحانيات و لا الثقافات ولا التمازجات الاجتماعية وإنما تعبر و تتعدى ذلك كله إلى مناط العمل الاقتصادي و الاستثماري الذي يقول أن الثمرات هي التي تعبر عن الأشجار وليس الأشجار نفسها . وهناك بدايات في التعاون الاقتصادي كبيرة بدأت في السودان فهناك شركات مغربية مثل شركة “مناجم” التي تعمل في السودان باستثمارات ضخمة جدا ، مجموع الاستثمارات المغربية في السودان الآن للشركات تقارب نصف مليار دولار ، وهذا أيضا لا يعبر عن حجم المحبة و لا حجم الطموح في هذه العلاقة ، وسأعكف في الفترة المقبلة من وجودي هنا على أن تسير العلاقة في إطارها المصلحي الاقتصادي الاستثماري لتبين أن الخلفية الثقافية التاريخية ماهي إلا جزء من الصورة الكبيرة لهاتين الدولتين .
لنتحدث عن الوضع الحالي في السودان ، كيف ترى موقف المغرب مما يقع الآن في السودان من احتجاجات و مطالب استجابت لها السلطة و هناك تفاعل الأحزاب و المؤسسات مع المحتجين ، كيف قرأتم موقف المغرب مما يقع في السودان؟
أنت تعرف أن السياسة المغربية الخارجية هي سياسة عقلانية لا تستبق الأحداث بخطوات وإنما لها رؤية حكيمة لما يدور في الإقليم. ما بين السودان و المغرب طوال الفترة السابقة تعاون وثيق في المقامات السياسية و الدبلوماسية. ففي شهر يناير الماضي كانت هنالك لفتة عظيمة من المملكة المغربية حيث توصلت السودان ببرقية تهنئة من جلالة الملك محمد السادس لشقيقه فخامة الرئيس البشير بمناسبة العيد ال63 لاستقلال السودان. لا يطلب عادة من الدول في مثل هذه الظروف أن تبين عن مواقف ،لأن الموقف مضطرب غير أنه لم يبرز موقف سلبي من المملكة المغربية تجاه أشقائها في الحكومة السودانية مما يبين أصلا أن هذه العلاقة تقترب في أصولها الصحيحة من مبدأعدم التدخل في الشؤون الداخلية وهو ملمح أساسي في السياسة الخارجية المغربية كما نعلم ، و لكن المسؤولين كلهم في الفترة الماضية كانوا ينظرون إلى السودان كدولة شقيقة يأملون أن تمضي الأمور فيها إلى مقامات الاستقرار التام و يحبون أن يسمعوا أن الوضع في السودان قد استقر وقد طمأنتهم بأن الأمور تمضي بحكمة الشعب السوداني كله نحو تهدئة تجتمع فيها رؤى أهل السودان على مناط واحد في أن يكون هذا البلد للجميع وبمشاركة الجميع في أداء أدوارهم المنوطة بهم كل في مجاله و الانفتاح المطلوب في السودان يمضي في أفق جديد إنشاء الله.