الرباط-متابعة
يطارد شبح سنة دراسية بيضاء في تونس ، أكثر من أي وقت مضى، التونسيين، مثيرا كثيرا من المخاوف و السخط ، وأحيانا نوعا من الاستسلام.
ولا يبدو، مع اقتراب العام الدراسي من نهايته وقرب موعد الامتحانات الوطنية ، لا سيما البكالوريا ، أن هناك أمورا تؤثر على عزيمة نقابات أساتذة التعليم الثانوي ، للذهاب بعيدا في حركتهم للحصول على كل مطالبهم.
وتحولت جولات وجلسات الحوار، التي جمعت وزارة التربية التونسية والجامعة العامة للتعليم الأساسي ، مع مرور الوقت ، إلى حوار الصم.
وفي خضم هذا التجاذب، استحال التوفيق بين المواقف، مع احتمال عدم التوصل إلى حل وسط ، الذي من شأنه أن يضع حدا لحجب العلامات (النقاط) التي بدأت في الربع الأول من العام الدراسي .
وفي إطار السياق الصعب الذي تمر به تونس، التي تعاني من أزمة مالية عامة خطيرة والإشكالات المصاحبة للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي ، يعد الجانب المالي حجر عثرة في هذا الموضوع.
وترى السلطة الوصية، الغير قادرة على الاستجابة للمطالب النقابية المتعلقة بالأجور، أن هذه المطالب مفرطة وغير واقعية.
و بالنسبة للحكومة، كما يقول الواقع، فإن الخضوع لهذه الضغوط يعرضها لتحديات غير محتملة يمكن أن تسبب انفجارا اجتماعيا في قطاعات أخرى.
وبالفعل، فإن فرص حل هذه الأزمة العميقة في أقرب الآجال تبدو ضئيلة، حتى أن التدخل الشخصي للرئيس التونسي لم يمكن من حل هذه الأزمة .
واعتقادا منه بأنه كان يأتي الصواب ، قام الرئيس الدولة التونسية ، قيس سعيد ، بإقالة وزير التربية والتعليم الذي تفاعل معه النقابيون بشكل سيء ، وعين مكانه زعيما سابقا للمركزية النقابية ، محمد علي البوغديري ، الذي لم يستطع أن يحلحل الوضع ، على الرغم من بلاغاته المطمئنة.
و تبدو نقاط الخلاف غير قابلة للحل، لا سيما وأنها تتعلق بالأثر المالي الرجعي للترقيات المهنية (2022-2023) ، وكذلك إعادة تقييم مكافأة الدخول المدرسي وتأثيرها المالي بأثر رجعي للأعوام 2020-2021-2022.
وتنتظر الجامعة العامة للتعليم نشر النصوص القانونية التي ستمسح بتطبيق بنود اتفاقية 9 فبراير، التي ارتكزت على تحسين القدرة الشرائية للأساتذة .
وأدى تعنت حركة الأساتذة، الذين رفضوا ، بناء على دعوة من النقابات، تسليم علامات الامتحانات للدورة الثالثة على التوالي ، إلى رد فعل قوي من السلطات.
وقد لجأت هذه الأخيرة إلى التهديد بوقف أجور الأساتذة المتمردين.
ودعت وزارة التربية الأساتذة الذين لم يقوموا بتقديم علامات الثلاثيين الأول والثاني ، لتحمل مسؤولياتهم الوطنية و البيداغوجية والإدارية والمبادرة بتقديم العلامات للإدارة في الوقت المحدد لذلك.
وأدى هذا الوضع إلى إثارة السخط وزيادة معاناة وغضب التلاميذ وعائلاتهم الذين لا يعرفون إلى متى سيستمر هذا المسلسل ، الأمر الذي يوجه ضربة قاسية لمنظومة التعليم بشكل عام، و للمدرسة العمومية، بشكل خاص .
ويعيش التلاميذ وأولياء أمورهم بالخصوص، في حالة من القلق الدائم، فلا فكرة لديهم عن علامات أبنائهم طوال العام الدراسي.
ومع العد العكسي لنهاية العام الدراسي ، واستمرار حجب العلامات ، تتجه تونس نحو حالة غير مسبوقة ، وهي الاختيار بين سنة دراسية بيضاء أو القرار بإنجاح الجميع دون الرجوع إلى العلامات. وفي جميع الحالات ستكون عواقب أي قرار وخيمة.
وأمام هذه الوضعية المتأزمة والغامضة، كلف أولياء أمور التلاميذ عددا من المحامين بتقديم شكوى ضد النقابات الأساسية للتعليم الأساسي والثانوي، لإلغاء القرار الذي اتخذوه لحجب علامات التلاميذ.
كما دعا رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ، رضا الزهروني، الرئيس التونسي “الى التدخل لحل أزمة التعليم العمومي “.
كما وجه المنسق الوطني لجمعية أولياء غاضبون، رسالة مفتوحة إلى الرئيس قيس سعيد تحت عنوان “نداء استغاثة”، من أجل التدخل لوضع حد لما وصفه “العبث الذي تمادى وأصبح لا يطاق” .
وقال في الرسالة “إن أغلبية مليونين و300 ألف تلميذ وحوالي 5 ملايين ولي هم الآن في حالة حيرة وإرباك غير مسبوقين بسبب ضبابية المسار التعليمي “.
وأضاف أن التلاميذ “استعملوا وقودا في معركة لا دخل لهم فيها وجعلت المجتمع مرتهنا من قبل نقابات التعليم ، معتبرا أن الأشكال التي انتهجتها مثلت خطرا حقيقيا على مصير التلاميذ إذ سلبتهم معنى الاجتهاد والأمان والثقة بالمستقبل.
وسجل أن هذا الوضع “متواصل منذ عشر سنوات مما أصبح يهدد الشهادة العلمية التونسية والمدرسة العمومية ومستقبل البلاد والمجتمع ككل وفق تقديره.
وهنا يمكن التساؤل، وفي مواجهة عجز السلطات العامة ، هل ستنجح الإجراءات التي تقوم بها الجمعيات وأولياء الأمور في إنقاذ العام الدراسي من كارثة حقيقية؟