نشر بشراكة مع DW العربية
في التاسعة صباح الخميس هاجم رجل مجهول ثلاثة زوار للكنيسة الكبرى في مدينة نيس بجنوب غرب فرنسا. وفي الهجوم تم قطع رأس امرأة وذبح خادم داخل الكنيسة فيما تم طعن امرأة أخرى بسكين لفظت أنفاسها في مقهى مجاور للكنيسة.
وأطلقت الشرطة النار على الجاني المشتبه به الذي أصيب ويُعالج في المستشفى.
في البداية تطايرت الأخبار بأن المهاجم في الخامسة والعشرين من عمره وربما من أصول مغاربية. وقال شهود عيان بأنه صرخ خلال الهجوم بكلمة “الله أكبر”. لكن مصدرا بالشرطة قال لرويترز مساء الخميس إن السلطات تعتقد أن المهاجم مواطن تونسي يبلغ من العمر 21 عاما. وأوضح المصدر أن الرجل دخل فرنسا مؤخرا عبر إيطاليا مضيفا أن السلطات لا تزال تتحقق من هويته.
وبالقرب من مدينة أفينيون الجنوبية حصل بعد هجوم نيس بقليل من الوقت هجوم اسلاموي إضافي مفترض. ويبدو أن رجلا يحمل مسدسا هدد المارة، كما أعلنت الشرطة مؤكدة تقارير إعلامية. وقتلت الشرطة الرجل.
وتسود في فرنسا حالة تأهب أمني قصوى: في باريس اجتمعت الحكومة الأمنية، وسافر الرئيس ماكرون إلى مكان الحادث في نيس للتحدث إلى ممثلين محليين وذوي الضحايا. وأعلن رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس الخميس رفع درجة التأهب الأمني في المباني ووسائل النقل والأماكن العامة لتحصل الشرطة على صلاحيات أوسع عندما تتدخل.
اعتداء اسلاموي إضافي
وكريستيان استروزي، عمدة نيس المحافظ يتحدث عن أوجه تشابه هذا الهجوم مع مقتل المدرس صامويل باتي قبل أسبوعين بالقرب من باريس. وحسب تقارير الشرطة يتعلق الأمر مجددا بأعمال قطع الرأس، كما يؤكد استروزي. “هنا يدخل رجل إلى كنيسة لتنفيذ هذه الفعلة، إنه عمل وحشي”. وهذه كارثة إضافية بالنسبة إلى نيس، المدينة التي عايشت في العيد الوطني في يوليو 2016 المذبحة التي قاد فيها شخص شاحنة صدمت مجموعة من الناس، مما أدى إلى مقتل 86 شخصا وإصابة أكثر من 400.
“يجب التحرك ضد هؤلاء الفاشيين” يقول استروزي ويتحدث عن غضب وحزن السكان في عين المكان. وأوضح أنه ليس فقط نيس بل جميع فرنسا مهددة. وأمر عمدة نيس بإغلاق الكنائس والمساجد مؤقتا إضافة إلى روض الأطفال. ومنذ 2015 سقط 271 فرنسيا ضحية اعتداءات ذات خلفية اسلاموية، بينهم أطفال ورهبان ورجال شرطة.
ي كل مكان شعور بالتهديد
والهجوم في نيس هو الهجوم المميت الثالث في غضون اسابيع قليلة: ففي نهاية سبتمبر هاجم رجل اثنين من المارة أمام المكتب السابق لمجلة “شارلي إيبدو” وألحق بهما إصابات بالغة. وفي منتصف أكتوبر صدمت عملية قطع رأس المدرس صامويل باتي بالقرب من باريس الفرنسيين. والجاني المنحدر من الشيشان اختاره كضحية بعد حملة تحريض على الانترنت. وقد استعان المدرس باتي برسوم كاريكاتورية للنبي محمد (ص) في درس حول حرية التعبير. ومقتله يُعتبر من قبل الكثير من الفرنسيين كهجوم على قيم الجمهورية ومبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة.
والهجوم الأخير في كنيسة نيس يستخدم رمزية مشابهة وهو يصلح لتزكية النداءات لملاحقة أقوى ضد الإسلامويين المفترضين. وقبل أسابيع حث الرئيس الفرنسي ماكرون في خطاب مبدئي على خوض جدال مكثف مع ظاهرة الاسلاموية العنيفة. وبحصول الجنحة الأخيرة في نيس يواجه ماكرون ضغطا أقوى، ولاسيما اليمينيون يطالبون بتدخل أقوى. فالنائب المحافظ، اريك سيوتي الذي يمثل منطقة الألب ماريتيم في الجمعية العامة الفرنسية يتحدث عن “تهديد هائل”، معتبرا أن البلاد توجد في حالة “حرب” مع الاسلامويين وتحتاج إلى تعديلات قانونية تمكن من التحرك ضدهم.
لكن الشرطة ردت منذ مقتل صامويل باتي بتنفيذ مداهمات داخل مساجد ومنازل إضافة إلى سلسلة من الاعتقالات. وتم إغلاق العديد من النوادي الثقافية الاسلامية والشرطة تتعقب أكثر منابع تمويل الارهاب الاسلاموي. وأفراد الجالية المسلمة يخشون بالتالي زيادة في حدة معاداة الاسلام في فرنسا. وممثلية المسلمين في فرنسا شجبت بشدة الهجوم الوحشي الأخير وحثت المؤمنين على إبداء تضامنهم مع الضحايا.
روابط دولية
ونهار الخميس حصل هجوم إضافي بسكين أمام القنصلية الفرنسية في العربية السعودية حيث أصيب حارس القنصلية بجروح طفيفة. وأعلنت بلدان عربية في الأيام الأخيرة دعمها للهجوم السياسي للرئيس التركي رجب طيب اردوغان ضد الرئيس ماكرون. واردوغان أعلن بأن الرئيس الفرنسي “مريض نفسيا” بعدما أعلن عن تحرك ضد توسع الاسلاموية في فرنسا. والخلاف بين اردوغان وماكرون اكتسب زخما أكبر منذ الصيف بعدما حصلت مواجهة لسفن حربية من كلا البلدين في البحر المتوسط بسبب أنشطة التنقيب التركية في البحر المتوسط. والرئيس الفرنسي انتقد الرئيس التركي بسبب سياسته في سوريا وليبيا ومؤخرا بسبب النزاع العسكري بين أرمينيا واذربيجان حول منطقة ناغورني كاراباخ المتنازع عليها، مما أدى إلى الزيادة في حدة نبرة الخطاب من أنقرة حيث دعا الرئيس اردوغان إلى مقاطعة البضائع الفرنسية.
وبحصول الهجوم الارهابي الأخير في نيس تواجه الحكومة الفرنسية ضغطا هائلا: فهي مدعوة من جهة لاحتواء وباء كورونا الذي خرج عن السيطرة في البلاد ومن جهة أخرى عليها تصعيد مكافحة الاسلاموية العنيفة كي لا يؤدي شعور انعدام الأمان لدى المواطنين الفرنسيين إلى ردود فعل معادية والتمرد..