الرباط-أسامة بلفقير
يشكل التواصل الفعال ركيزة أساسية في بناء جسور الثقة بين المؤسسات والحكومات وشعوبها. في المغرب، لعبت المؤسسة الملكية، دوراً تواصليا محورياً في مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والرياضية، خلال سنة 2024.
يتجاوز دور التواصل في المؤسسة الملكية مجرد نقل المعلومات، بل يشمل بناء الثقة بين الملك والمواطنين. من خلال التواصل الفعال، تسعى المؤسسة الملكية إلى ترسيخ قيم الوحدة والتضامن،وتوضيح الرؤية المستقبلية للمغرب، وتعزيز الشعور بالانتماء الوطني.
تستخدم المؤسسة الملكية مجموعة متنوعة من الأدوات للتواصل مع الشعب، بدءاً من الخطابات الملكية التي تعتبر القناة الرسمية للتعبير عن الرؤية الملكية، مرورا بالبلاغات أو البيانات التي تصدر عن القصر الملكي، دون أن ننسى الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي، وإن لم يكن لها أي طابع رسمي، إلا أنها تكشف جوانبا أخرى من حياة الملك وعائلته.
نسرد في هذا المقال أهم المحطات التي تركت عبرها المؤسسة الملكية بصمة واضحة، في تواصلها مع المغاربة ومع غيرهم خلال سنة 2024.
تواصل شفاف حول صحة الملك
ظلت صحة الملك محمد السادس، على مدى 25 عامًا من حكمه، محط اهتمام ومتابعة واسعة ليس فقط من قبل المغاربة بجميع فئاتهم، الذين يحرصون على معرفة أدق تفاصيل حياة ملكهم لأسباب مختلفة، بل أيضًا من قبل وسائل الإعلام الدولية التي ترصد عن كثب كل ما يجري خلف أسوار القصر الملكي.
في البداية، كانت صحة الملك ”طابوها”، إلا أن هذا الوضع تغير جذريًا منذ سنة 2009، عندما تم إنشاء منصب المتحدث الرسمي باسم القصر الملكي. حينها، تم الإعلان لأول مرة عن إصابة الملك بفيروس “روتا” وما صاحبه من جفاف حاد، وفي عام 2014 أُعلن عن تعرضه لزكام حاد مع حمى والتهاب في الشعب الهوائية، ما أدى إلى تأجيل زيارة مرتقبة للصين.
هذا النهج الجديد في التواصل استمر لينعكس على إعلان وزارة القصور الملكية في عام 2017 عن إصابة الملك بـ”إنفلونزا حادة” خلال زيارته للهند، مما أدى إلى تعليق الأنشطة الملكية لفترة قصيرة. وفي نفس السنة، تم الكشف عن خضوعه لجراحة في عينه اليسرى. أما في 2018، فقد أُجريت له عملية جراحية على القلب في باريس بعد معاناته من اضطراب في النبضات القلبية، حيث انتشرت صورة للملك على سرير المرض محاطًا بعائلته، وشهدت تفاعلًا واسعًا وتعاطفًا كبيرًا من المغاربة.
في السنوات اللاحقة، استمرت الخطوات المتقدمة في الشفافية بشأن صحة الملك. ففي 2019، تم الكشف عن إصابته بالتهاب فيروسي حاد بالرئتين، وفي2022 أعلن رسميًا إصابته بفيروس كورونا. بينما في 2023، أفاد بلاغ رسمي بتعرضه لنزلة برد.
خلال شهر دجنبر من الجارية 2024، كشفت وكالة الأنباء الرسمية عن تعرض الملك لإصابة خلال ممارسة رياضته اليومية، حيث سقط مما تسبب في صدمة وكسر بعظم العضد الأيسر. وأجريت له عملية جراحية ناجحة بالمصحة الملكية بالرباط، واستوجب الأمر تثبيت الكتف لمدة 45 يومًا يعقبها فترة إعادة تأهيل وظيفي.
ويتضح إذن أن هذا النهج المتدرج في الكشف عن صحة الملك يعكس سياسة أقرب إلى الشفافية من قِبل القصر الملكي، مما ينسجم مع التحولات الراهنة للتواصل مع الرأي العام سواء داخليًا أو خارجيًا.
اللقاء التاريخي بين الملك وسانشيز
كان للمؤسسة الملكية حضور وازن في أبرز الأحداث السياسية والاجتماعية والرياضية والاقتصادية التي طبعت مغرب 2024. باكورة هاته الأحداث الهامة، قد بدأت من الاستقبال الذي خصصه الملك محمد السادس لرئيس الحكومة الإسباني بيدرو سانشيز في 21 أكتوبر. حينها أصدر الديوان الملكي بلاغا يكشف عبره عن فحوى زيارة العمل التي يقوم بها سانشيز إلى المملكة، وكيف أنها شهدت منعطفا جديدا يطبعه التعاون والشراكة، بعد الموقف التاريخي لإسبانيا من مغربية الصحراء سنة 2022. كما تم التأكيد خلال اللقاء، وفق بلاغ الديوان الملكي، على أهمية التعاون المشترك بين المغرب وإسبانيا والبرتغال في تنظيم كأس العالم لكرة القدم عام 2030، والذي يمثل فرصة هامة لتعزيز التعاون الثلاثي في مختلف المجالات.
توجهات إستراتيجية للسياسة المساهماتية للدولة
خلال فاتح شهر يونيو ترأس الملك محمد السادس بالدار البيضاء مجلسا وزاريا، خصص للمصادقة على التوجهات الاستراتيجية للسياسة المساهماتية للدولة، ومشروع قانون تنظيمي، وعدد من مشاريع المراسيم التي تهم المجال العسكري، إضافة إلى تعيينات في المناصب العليا.
ودائما في إطار النهج التواصلي الذي تتبعه المؤسسة الملكية، صدر بلاغ من القصر الملكي، يحمل الخطوط العريضة لهذه السياسة الإستراتيجية الجديدة المبنية على أهمية إصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية، وتحديث أدواته لتمكينه من المساهمة بشكل فعال في تحقيق الأهداف التنموية للمملكة، لا سيما في المجالات الحيوية كالطاقة والصحة والماء والأمن الغذائي والبيئة والاتصال والتنقل. إضافة إلى المصادقة على مشاريع مراسيم مهمة، أبرزها إحداث منطقتين للتسريع الصناعي للدفاع، ويهدف لتوفير مناطق صناعية لاحتضان الصناعات المتعلقة بمعدات وآليات الدفاع والأمن وأنظمة الأسلحة والذخيرة.
المؤسسة الملكية تتواصل حول عملية الإحصاء
في 20 من شهر يونيو نفسه، وجه الملك تعليماته للتسريع في معالجة وتحليل نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى التي تم تنظيمها نهاية صيف 2024، ليصبح أداة تنظيمية تدعم السياسات العمومية على المستويات الوطنية والمحلية.
وأكد الملك في الرسالة الموجهة إلى رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، بشأن النسخة السابعة من الإحصاء العام للسكان والسكنى، أن الالتزام الدوري بإجراء هذه العملية كل عشر سنوات يُعد خيارًا رشيدًا. فهو يوفر فهماً دقيقاً للتغيرات الديموغرافية والسوسيو-اقتصادية في البلاد، مما يساعد على استشراف احتياجات المواطنين المتجددة ووضع سياسات مناسبة لهم.
وأشار الملك إلى أهمية هذه المعطيات والإحصاءات في تعزيز المشروع المجتمعي للمملكة ودعم النموذج التنموي الوطني بطريقة منسجمة مع قيم الديمقراطية السياسية والفعالية الاقتصادية والتنمية الشاملة والتماسك الاجتماعي والجغرافي
وأكد الملك الأهمية الاستراتيجية لهذا الحدث الذي يصب في مصلحة جميع أفراد المجتمع المغربي، بما في ذلك المؤسسات الوطنية والدولية والمجتمع المدني وكافة الفئات الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى المغاربة المقيمين بالداخل والخارج.
خطاب العرش يدق ناقوس الخطر
في إطار التفاعل مع القضايا التي باتت تؤرق المجتمع المغربي، خصص الملك محمد السادس، في خطاب العرش لهذه السنة حيزا هاما لأزمة الماء التي باتت تهدد المغرب، وفي هذا الصدد دق الملك ناقوس الخطر، معربا عن قلقه إزاء أزمة الماء الناتجة عن توالي سنوات الجفاف المتواصلة وزيادة الطلب على هذه المادة الحيوية.
واعتبر الملك في الخطاب أن هذه الأزمة من بين أبرز التحديات التي تتطلب “جهوداً مستمرة، واستجابة يقظة، وحلولاً مبتكرة، إلى جانب حسن التدبير”. وتطرق الخطاب الملكي إلى تشخيص دقيق للمشكلة المائية، التي تفاقمت بسبب الجفاف والتغيرات المناخية المتزايدة والطلب المتنامي على المياه. كما أشار إلى التأخر في تنفيذ بعض المشاريع المدرجة ضمن السياسة الوطنية للمياه، مما زاد من تعقيد الوضع.
وأوضح الملك أن السنوات الست الأخيرة من الجفاف المستمر قد أثرت بعمق على الموارد المائية السطحية والجوفية، الأمر الذي جعل الوضعية الحالية تتسم بقدر كبير من الهشاشة والتعقيد.
وذكر بالإجراءات الاستعجالية والمبتكرة التي أمر بتنفيذها لتجنب النقص الحاد في المياه، خاصة في المناطق القروية الأكثر تضرراً.
ومع تزايد الاحتياجات والتحديات المرتبطة بهذا الملف، دعا الملك محمد السادس إلى تحديث مستمر لآليات السياسة الوطنية للماء، مع التأكيد على هدف إستراتيجي يتمثل في ضمان تزويد جميع المواطنين بالماء الصالح للشرب وتوفير 80% على الأقل من احتياجات السقي على المستوى الوطني.
كما شدد على أهمية الإسراع في تنفيذ برنامج بناء السدود وإعطاء الأولوية للمشاريع في المناطق التي تعرف وفرة نسبية في التساقطات.
وفي إطار رؤيته الإستراتيجية الطموحة، دعا الملك إلى تسريع وتيرة تنفيذ المشاريع الكبرى لنقل المياه بين الأحواض المائية من مناطق مثل واد لاو واللكوس وصولاً إلى حوض أم الربيع مروراً بأحواض سبو وأبي رقراق. هذه المشاريع الأساسية من شأنها أن يتيح الاستفادة من مليار متر مكعب من المياه التي تُهدر حاليًا في البحر. كما شدد الملك على أهمية تحقيق توزيع عادل ومتوازن للموارد المائية على الصعيد الوطني لضمان تنمية شاملة ومستدامة تخدم حاجيات الجميع.
الملك يتواصل مع المغاربة داخل قبة البرلمان
من أبرز المحطات التواصلية بين الملك والشعب المغربي خلال سنة 2024، ذلك الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس داخل البرلمان، يوم 11 أكتوبر، بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة، والذي كان مخصصا في الجزء الأكبر منه لقضية الصحراء المغربية.
وفي هذا السياق أكد الملك، على الموقف الثابت للمغرب بشأن قضية الصحراء المغربية، مشيداً بدعم العديد من الدول، وعلى رأسها فرنسا، لمبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية، معتبرا، في خطابه، الموقف الفرنسي الجديد الذي يعترف بسيادة المملكة على كامل تراب الصحراء، انتصاراً للحق والشرعية، ودعماً للجهود المبذولة في إطار الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي نهائي لهذا النزاع الإقليمي.
كما نوه الملك بمواقف دول أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا، بالإضافة إلى أغلبية دول الاتحاد الأوروبي والدول العربية والإفريقية، التي تؤكد دعمها للوحدة الترابية للمملكة.
وشدد في خطابه على ضرورة شرح أسس الموقف المغربي، للدول القليلة، التي ما زالت تسير ضد منطق الحق والتاريخ، والعمل على إقناعها، بالحجج والأدلة القانونية والسياسية والتاريخية والروحية، التي تؤكد شرعية مغربية الصحراء.
المؤسسة الملكية والتواصل حول الشأن الرياضي
إذا كان الملك محمد السادس من كان سباقا ليزف خبر تنظيم مونديال 2030 بشكل مشترك بين المغرب وإسبانيا والبرتغال، للمغاربة ولعموم العالم، في أكتوبر من سنة 2023، عبر بيان للديوان الملكي، فإن المؤسسة الملكية على تتبع دائم لهذا الملف الرياضي الهام.
خلال بداية شهر دجنبر من سنة 2024، ترأس الملك محمد السادس مجلسا وزاريا بالقصر الملكي بالعاصمة الرباط، خصص في مجمله للوقوف على آخر الاستعدادات لهذه التظاهرة الأكثر أهمية في العالم.
وأطلع فوزي لقجع، رئيس لجنة كاس العالم 2030، جلالته على مختلف المراحل التي قطعها ملف ترشيح المغرب، وأيضا مل تم إنجازه وما سيتم إنجازه لاستقبال المونديال.
لا يقتصر تفاعل الملك محمد السادس مع الأحداث الرياضية فقط على المونديال، بل أقدم الملك على توشيح مجموعة من الأبطال الرياضيين الذين رفعوا راية المملكة عاليا في المحافل الدولية، أبرزهم توشيح البطل الأولمبي والعالمي سفيان البقالي، بوسام العرش من درجة قائد. كما أبرق الملك محمد السادس المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة بمناسبة فوزه بلقب النسخة السابعة من كأس الأمم الأفريقي. كما هنأ أعضاء المنتخب الوطني المغربي الأولمبي لكرة القدم بمناسبة ظفره بالميدالية النحاسية خلال دورة الألعاب الأولمبية 2024 بباريس…
يُمثل التواصل للمؤسسة الملكية مع الشعب المغربي نموذجاً فريداً في المنطقة العربية. هذا التواصل المستمر والمتجدد يساهم في تعزيز الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي، ويشجع على الحراك التنموي.
يعود تاريخ التواصل هذا إلى عصور غابرة. وقد تطورت آليات هذا التواصل عبر التاريخ، متأقلمة مع التغيرات الاجتماعية والسياسية التي شهدها المغرب. فمن الخطابات الملكية إلى الزيارات الميدانية، ومن اللقاءات مع مختلف الفئات الاجتماعية إلى الاستعانة بوسائل الإعلام الحديثة، ظل تواصل المؤسسة الملكية عنصراً ثابتاً في المشهد السياسي المغربي.