24 ساعة ـ عبد الرحيم زياد
أظهرت بيانات حديثة نشرتها الصحافة الإسبانية ارتفاعًا ملحوظًا في صادرات المغرب نحو إسبانيا بنسبة 9.1% خلال عام 2024 مقارنة بسنة 2023. هذا الإنجاز ليس مجرد رقم عابر. بل يؤكد قدرة المغرب على ترسيخ مكانته كلاعب اقتصادي رئيسي في منطقة الحوض المتوسطي، في وقت يشهد فيه العالم اضطرابات إقليمية ودولية معقدة.
تكشف معطيات منصة WITS التابعة للبنك الدولي عن استمرار المغرب في تعزيز حضوره كمصدر رئيسي للسلع الاستهلاكية والنسيج والمنتجات الفلاحية، خاصة في السوق الإسبانية. وفيما سجلت التجارة الخارجية الإسبانية نموًا هزيلًا بنسبة 0.7% مع تراجع في الواردات بنسبة 0.4%. نجح المغرب في تحقيق اختراق تجاري لافت، متفوقًا على بعض مؤشرات النمو داخل السوق الأوروبية ذاتها. يبرز القطاع الفلاحي كأحد أهم محركات هذا النجاح. حيث تحول المغرب إلى مورد رئيسي للخضروات والطماطم في أوروبا. ففي 2024، بلغت صادرات الطماطم المغربية أكثر من 500 ألف طن. مقارنة بـ300 ألف طن فقط في 2011، بينما تراجعت صادرات إسبانيا من هذا المنتج من 900 ألف طن إلى نحو 500 ألف طن حاليًا.
يعود هذا التحول إلى عوامل متعددة، أبرزها الموقع الجغرافي المتميز للمغرب. ومناخه الملائم، والسياسات الفلاحية الناجحة التي انتهجها في إطار مخطط “المغرب الأخضر”. هذا المخطط، الذي أطلق في 2008، وفر دعائم قوية لتعزيز تنافسية القطاع الفلاحي. مما مكّن المغرب من تحسين إنتاجيته وتلبية متطلبات الأسواق الدولية بكفاءة. لكن هذا النجاح لم يمر دون جدل، إذ أثارت بعض الأوساط الإسبانية انتقادات حول “التفاوت في المعاملة الجمركية”.
فالمغرب يفرض رسومًا مرتفعة تصل إلى 200% على بعض المنتجات الإسبانية، بينما تستفيد صادراته من تسهيلات جمركية أوروبية بموجب اتفاقيات الشراكة. لكن هذا الإجراء يعكس سياسة سيادية مشروعة تهدف إلى حماية القطاعات المحلية الحساسة وضمان توازن التجارة الخارجية. وهي ممارسة تتبناها معظم الدول، بما فيها أعضاء الاتحاد الأوروبي.
ورغم هذه التوترات الجزئية، تظل العلاقات الاقتصادية بين الرباط ومدريد متينة، قائمة على الاعتماد المتبادل. فإسبانيا لا تزال الشريك التجاري الأول للمغرب، حيث تصدر إليه معدات وتجهيزات صناعية بقيمة تزيد عن 1.9 مليار يورو سنويًا، بينما يعزز المغرب صادراته المتنوعة إلى السوق الإسبانية. هذا التشابك الاقتصادي يجعل العلاقة بين البلدين عصية على الانهيار، رغم بعض الخلافات العابرة.