عبد الرحيم زياد-عماد مجدوبي
أيام صعبة يجتازها خصوم المغرب، في ظل الضربات المتتالية والهزائم المدوية التي منيت بها الأطروحات المعادية للمملكة. فأياما قليلة بعد اعتراف الدولة الإسرائيلية بسيادة المملكة على صحرائها، وفي وقت باتت الولايات المتحدة الأمريكية مقتنعة بأن حل نزاع الصحراء المغربية يمر أساسا عبر السيادة الكاملة للمغرب، أظهرت الأخبار القادمة من واشنطن أن الإدارة الديمقراطية ماضية في تعزيز علاقاتها مع المغرب.
في هذا السياق، تمت ترقية وليام بورنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بإلحاقه بديوان الرئيس الامريكي، وهو ما اعتبره مراقبون ضربة لأعداء المملكة، سواء بالداخل او الخارج، نظرا لكون هذه الشخصية النافذة معروفة بعلاقتها الطيبة مع المغرب.
هذه العلاقات الطيبة لم تأت من فراغ. فالتعاون الأمني والاستخباراتي القوي بين الرباط وواشنطن ساهم في خلق علاقات وروابط مهنية وثيقة بين المسؤول الأمريكي ومسؤولين مغاربة، خاصة عبد اللطيف الحموشي، المدير العام لمراقبة التراب الوطني.
وقد تجسدت من خلال التنسيق والتعاون الدوليين في ملفات حساسة ترتبط بالأمن والسلام الدوليين، خاصة في مجال مكافحة الارهاب والجريمة العابرة للقارات. فالولايات المتحدة تعتبر المغرب شريكا أساسيا في محاربة الإرهاب، وتعول عليه بشكل كبير في مواجهة هذه المخاطر في سياق يشهد تنامي نشاط الجماعات المسلحة بمنطقة الساحل والصحراء، بتورط من عصابات البوليساريو.
يذكر أن بورنز سبق أن استقبل عبد اللطيف الحموشي بمكتبه خلال زيارة عمل للولايات المتحدة الامريكية كما قام بزيارته في مقر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بالرباط، وهو ما يعكس عمق هذه الروابط المهنية والمكانة التي تحظى بها الرباط لدى المسؤولين الأمركيين.
وبتعيين وليام بورنز في ديوان الرئيس جو بايدن، يكون أعداء المملكة قد تلقوا صفعة مدوية، وخيبة أمل لكل من كان يراهن على تغيير الادارة الامريكية لموقف واشنطن من مغربية الصحراء، بالنظر الى ان قرارا كهذا أصبح من سابع المستحيلات بحكم تواجد خبراء أمنيين كمستشارين للرئيس “اصدقاء للمغرب”، يقدرون ويعون الدور المحوري للمغرب في الحفاظ على المصالح الامريكية في منطقة شمال افريقيا.
وأضحت مهمة الجهات التي تحاول تقويض صورة المملكة على صعيد حقوق الإنسان أصبحت مهمتها جد معقدة لأن الادارة الامريكية الحالية ومستشارو الرئيس المقربون، خاصة وليام بورنز وأفريل هاينز، مديرة الاستخبارات الوطنية، يعرفون جيدا قيمة المغرب وموثوقيته، كما أنهم خير العارفين بان الحملات التي تهدف لتبخيس انجازات المملكة على صعيد حقوق الانسان، عبر استغلال حالات بعينها، او لتشويه صورة المملكة على صعيد المؤسسات الدولية بزرع الشك في مصداقيتها، لا تنطلي على خبراء الاستخبارات الأمريكية الذين يعرفون جيدا بأن كل تلك الحملات تهدف فقط للضغط على الرباط خدمة لأجندات معادية.
ويعد بيرنز من أقدم الدبلوماسيين الأميركيين، حيث عمل لأكثر من 33 عاما في السلك الدبلوماسي، والتحق بوزارة الخارجية عام 1982 وعمل سفيرا لدى الأردن ومساعدا لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، وسفيرا لدى روسيا، ووكيلا لوزارة الخارجية للشؤون السياسية.
وتولى بيرنز منصب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، وعمل رئيسا للمفاوضين في المحادثات التي سبقت التوصل للاتفاق النووي عام 2015.
وبعد 5 سنوات من تقاعد بيرنز عن العمل الدبلوماسي، وتحديدا في 2019، أصدر كتابه “القناة الخلفية” والذي رصد فيه تجربته طوال 30 عاما في الخارجية، حيث عمل تحت إدارة 5 رؤساء و10 وزراء خارجية، كما نشر مؤخرا مقالات ينتقد فيها سياسات دونالد ترامب، وتوقع في أغسطس الماضي أن يرفض الأخير الاعتراف بالهزيمة في الانتخابات الرئاسية قبل بدايتها.
وليام بيرنز الدبلوماسي المحترف يعد أحد صقور المخابرات الأمريكية، وأقوى شخصية أمنية أمريكية مقربة من المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني عبد اللطيف حموشي. بحيث يحافظ وليام بيرنز على علاقات قوية مع المسؤولين المغاربة ، ولا سيما عبد اللطيف حموشي .
وكان المسؤوال الأمريكي قد استقبل عبد اللطيف حموشي خلال الزيارة التي قتم بها إلى الولايات المتحدة يومي 13 و 14 يونيو 2022 . ويشهد الاجتماع في الرباط على متانة وعمق التعاون الاستراتيجي والتنسيق في المجالات الأمنية والاستخبارية بين المديرية العامة لمراقبة الدولة ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
وإذا كانت التقارير الأمنية حول الإرهاب لسنة 2023، قد كشفت النقاب على نجاعة التعاون الوثيق بين “الديستي” بقيادة السيد حموشي، ووكالة المخابرات الامريكية “CAI”، وفعالية هذا التنسيق الأمني الاستراتيجي في مكافحة الإرهاب، فإنه بتعيين وليام بيرنز في ديوان الرئيس بايدن ستكون “ديستي” قد رسخت لمفهوم أمني جديد في عالم المخابرات، يقوم على الدبلوماسية الأمنية، وهو الأمر الذي تفوق فيه بشكل كبير السيد حموشي، لأن ثمار مجهوداته الأمنية مع الأمريكيين، ستعود بفوائد سياسية ودبلوماسية هائلة على المغرب بعد تعيين وليام بيرنز مستشارا لبايدن.
وبذلك، فإن تعيين وليام بيرنز “رجل المهمات الصعبة” كما تلقه الاوساط الإعلامية الأمريكية، من شأنه أن يرفع من أسهم المملكة داخل الإدارة الأمريكية، التي طالما اعتبرت في العديد من تقاريرها، شريكا موثوقا وذا مصداقية وعامل استقرار في منطقة تحولت اليوم إلى ما يشبه برميل بارود”، مشيرا في الخصوص إلى ما يجري في منطقة الساحل والصحراء من توترات وأزمات عميقة.