حاوره : محمد أسوار تحرير كوثر منار
عجت مواقع شبكات التواصل الإجتماعي بالمغرب، خلال الآونة الأخيرة، بخطابات تحمل لهجة ”متطرفة”، ما يدفع إلى السؤال حول أسباب انتشار هذه الظاهرة وسبل مكافحتها، حتى لا تتحول من مجرد ”تدوينات” إلى فعل قد تكون له عواقب خطيرة على المجتمع ونمط تفكيره.
ولفهم هذه الظاهرة الجديدة التي رافقت بروز وسائل التواصل الإجتماعي، التي باتت تؤثر، بشكل كبير، في الحياة اليومية للأشخاص في مختلف بقاع العالم؛ أجرت ”24 ساعة” حوارا مع الكاتب والحقوقي صلاح الوديع، رئيس حركة ”ضمير”، هذا نصه:
ما هي أسباب تنامي ظاهرة التطرف داخل منصات التواصل الاجتماعي ؟
أولا يجب الاشارة إلى أن خصوصيات ما يمكن تسميته برواج الافكار بالمجتمع عن طريق منصات التواصل الاجتماعي، خصوصيات ليست خاصة بالمغرب فهي منتشرة في جميع البلدان.
نلاحظ تعاظم السلطة المعنوية والقدرة التوجيهية للرأي العام من طرف منصات التواصل، وهذا التعاظم لا يمس فقط في التأثير بالرأي العام في البلدان ولكن يمس أكثر من ذلك، إنه يوجه الذوق ويوجه الاختيارات.. إذن يجب أن نفهم بأنه أصبحت منصات التواصل الاجتماعي على المستوى العالمي، ظاهرة جديدة، ليست تقنية ولكن لها أوجه الاختبار الحضاري، الفكري، السياسي والسلوك الشخصي للميولات.. إلخ.
والآن نعرف بأنه توجد نظرية تسمى “نظرية السمكة الحمراء” وهي تشبه تصرف الفرد تجاه منصات التواصل الاجتماعي بما فيها ” الانستغرام، الفيسبوك، والواتساب..”؛ إذ لم يعد الافراد في المجتمع يركزون انتباههم بشكل مطول على قضايا معينة ليولدو منها مواقفا وأفكارا أخذت الوقت لتنضج.
وانطلاقا من شبكات التواصل الاجتماعي يقع هذا التبادل والتعبير، ويتسم عموما هذا النوع من التعبير المتطرف ولا المعتدل ولا الصامت، بالاختصاص وسرعة التلاشي. لذلك من هذه الزاوية نرى أن ظاهرة التطرف، والتي تزيدها منصات التواصل الاجتماعي سهولة؛ لانه عادة في الحياة العادية والواقعية الانسان عندما يتكلم، يتكلم أمام ناس بلحمهم ودمهم وعظمهم؛ أما في منصات التواصل يكون الانسان وحيدا عادة ويتفاعل انطلاقا من هذه الوحدة ويكون لديه اعتقاد يقدرة خارقة بالتأثير على الحدث، وتكون لديه احتمالات كبيرة، لأنه لا يعرفه من يستمع اليه ولا من يقرأه؛ إذن خصوصيات منصات التواصل الاجتماعي تترك سهولة الانفلات حيث يمكن للإنسان أن يعبر عن مواقف متطرفة اليوم وينساها غدًا.
وللإشارة فتنامي ظاهرة التطرف وعبارات الحقد والاستهزاء والتحطيم فهي منتشرة فالعالم أجمع، وليس بالمغرب فقط.
ما سياقات بروز هذه الظاهرة مؤخراً في المغرب ؟
سياقات انتشار هذه الظاهرة بالعالم، وبالأخص في المغرب، مرده إلى تقلص أثر الأحزاب السياسية والنقابات في الحياة العامة، حيث صارت هذه المنصات نوع من الاستعاضة، يعني تعوض الناس والمجالات والفضاءات الطبيعية للتعبير، وإذا فهمنا تقلص دور الاحزاب والنقابات ككيانات اجتماعية، نفهم غياب التأطير، لأن دور الاحزاب هو تأطير النخبة التي تهتم أكثر من غيرها عادة بقضايا الشان العام، لأنه لا يمكن أن نقول بأن الشعب بكامله يهتم ويعطي وقتا ليتداول في قضايا المجتمع.
إذن؛ فغياب وتناقص المؤسسات الحزبية والنقابية وغيرها في فرز فضاءات التأطير والتداول وإنتاج الافكار، يخلق نوعا من التسيب، حيث أنه من حق أي شخص أن يعبر؛ لكن لا يمكن أن يكون ناضجا بما فيه الكفاية بالفكرة التي سيعبر عليها، وبالتالي يكون رهين القوى الإعلامية الأكثر حضورا ليس فقط بالمغرب بل حتى خارجه؛ فمثلا أثر منصة اليوتيوب الآن، تكون لحظية ومباشرة، تجعل لا يوجد الوقت الكافي للإنسان لاخذ المسافة.
فمثلا رجل مثل العروي لم يتكلم بعد في قضية وباء كوفيد، وأنا أعرف باأه طرح عليه هذا السؤال، وقال لابد أن ظاهرة من هذا الحجم الكبير من التريث قبل إصدار الاحكام، يعني كخلاصة لا يمكنه التسرع في اصدار أحكام.
ماهي سبل مواجهة هذه الظاهرة ؟
سبل معالجة هذا الظاهرة في بلادنا: فأقول أنه لا يمكن اليوم، ومستحيل أن نفكر باأن بلادنا يمكن أن تعالج هذا الموضوع بشكل مستقل على التطور الذي يعرف في الشركات الكبرى للتواصل كجوجل وفيسبوك وانستغرام “لي جافا”، لانهم يبسطون سيطؤتهم الآن على العالم وهما المؤثرين، والآن يوجد نقاش كبير في الغرب يطرح مسألة هل ستبقى الشعوب صامتة أمام التوجيه المعلن للذوق والرأي والسلوك من طرف “لي جافا” بالنسبة للعالم أو يمكن في لحظة أن يكون وعيا لمستعمل منصات هذه التواصل ويدخل في تصميم الآليات الإلكترونية التي توجه منصات التواصل الاجتماعي، أي لن يبقى مجرد مستهلك وهو في الواقع مستهلك وموجه.
سبل مواجهة هذه الظاهرة هي كونية، ويجب على الناس الفهم، حيث إن المجتمع العالمي والمفكرين العالميين، يجب عليهم أن يبسطوا شبكة عالمية، لكي لا تكون على منصاب التواصل الاجتماعي إثر سلبي على المجتمعات والديمقراطية ومؤسسات الدول.
كما أن هناك عدة ظواهر تساهم في تفشي هذه الظاهرة، ليس فقط ما هو تربوي، ويجب أن نواجهها بشكل ملموس كمغاربة، والانتباه الى تلويث الذاكرة وتلويث المخيلة تم تلويث الحياة.