محمد الشمسي
هل يكون الربيع العربي ممتنا في نجاحه الجزئي لبرودة الطقس؟، هل استسلمت بعض الأنظمة العربية لأن الثوار أخذوها على حين غرة وهي في سبات قرها في أشهر يناير وفبراير ومارس؟، وهل من الصدف أن تطيح الجماهير بحكام في أشهر البرد القارس ثم لا تلبث بقايا تلك الأنظمة أن تستعيد السلطة في أشهر الصيف الحارق؟، هل يكون لحالة الطقس دور في التاريخ والحضارة و المزاج العربي؟…
لا يملك الرئيس التونسي قيس السعيد رصيدا سياسيا، فلا تحتفظ له سيرته ولو بمشاركة واحدة في وقفة احتجاجية، أو بمقال صحافي ينتقد فيه الوضع السياسي في زمن كان فيه نقد النظام جناية، قيس هذا واحد من راكبي أمواج الربيع العربي شأنه شأن “المناضلين بالدين”، صعد إلى السلطة على أكتاف الجماهير التي راهنت على سجله الخالي من السوابق، وأغواها بلغة عربية مكلفة ووجه شبيه بمومياء فرعونية، بدون برنامج سياسي باستثناء كم هائل من الشعبوية المهددة للديمقراطية، نافس من خلالها حركة النهضة الرائدة في فقه الشعبوية، والحصيلة أن تونس الخضراء أرجعها الطرفان ومن معهما قاحلة تحتضر.
أعلن قيس نفسه إمبراطورا لتونس مهد الثورة، قال قيس للتونسيين ” أنا ربكم الأعلى” …أنا رئيس البلد ورئيس الحكومة ورئيس النيابة العامة ورئيس بنك تونس ورئيس النقابات ورئيس الرؤساء على شاكلة ملك الملوك، أنا أحيي وأميت وأحل البرلمان وأحل الحكومة ، وآمر باعتقال من أشاء وأصفح عمن أشاء، والكل تحت مبرر يركبه كل الطغاة هو “تونس في خطر”، دون أن يوضح أين يكمن هذا الخطر؟، ومن يقوده؟ ومنذ متى ؟ وما هي مصادر قيس؟…وعلى شاكلة الانقلابيين حرض قيس الشعب التونسي ضد بعضه البعض، وغنى أغنية “التفويض الشعبي” وهدد وتوعد وجمع الجيش والأمن ، وأغلق مبنى البرلمان، ولوح بالفصل 80 من الدستور، وداهمت قواته مقرات قنوات إعلامية بعينها، لتتضح بعض من الحقيقة..إنها ذات الرياح القادمة من الخليج العربي المضادة لصوت الشعوب، والراغبة في خنقها خوفا من نسيم ربيع عربي جديد قد يكون جارفا وعابرا للقارات.
لا يمكن للعرب أن يكونوا ديمقراطيين في الوقت الراهن ، وهذه شهادة التاريخ فيهم وليس حكم قيمة، التاريخ هو الذي يسلم شواهد استحقاق الديمقراطية من عدمها للشعوب، والتاريخ لا يسلم هذه الشهادة إلا للشعوب التي بلغت سن الرشد التاريخي، وهي الشعوب التي تخلصت من الفيروس ثلاثي الرؤوس “الأمية والجهل والفقر”، فهذا الفيروس يوفر بيئة حاضنة للطمع والجشع والأنانية، ويجعل من حب الوطن مجرد “تقية شيعية” للانقضاض على المنصب، وحتى في صفوف الفئة المتعلمة والمثقفة، ولذلك يتورط سياسيون على درجات عالية من العلم والثقافة في جرائم سرقة المال العام، لأنهم يقعون ضحايا عدوى ” البيئة الحاضنة” ومادام أن أكثر من ثلاثة أرباع العرب أميون جهلة فقراء أو مفقرون، فإن طلبهم لإقامة نظام حكم ديمقراطي بالشروط الحالية يكون جوابه آليا هو :”يتعذر الاستجابة لطلبكم يرجى تسوية وضعكم التعليمي”…
يجر قيس تونس نحو حرب الردة عن الديمقراطية، عن الثورة، عن ربيعها ومجدها وهدوئها الذي كان ميزتها، واختار قيس قيظ الصيف ليجهز على ما راكمته تونس الخضراء من تجارب بمرها وحلوها، وقد خير قيس التونسيين بين نارين، نار العودة الى جحيم الاستبداد ونار فتنة ترسمها الدماء، لكن شعب الخضراء سيبدع مخرجا ثالثا في هذا “الامتحان الكبير” ، فهل ستترك الغربان تونس المجيدة تداوي جروحها، وتبتكر لنفسها ممرا يوصلها الى نادي الديمقراطيات ضدا في بعض “العربان”؟…