محمد العبدلاوي – قلعة السراغنة
خاضت تنسيقية الأساتذة المتعاقدين بقلعة السراغنة، طيلة هذا الأسبوع خطوات تصعيدية للمطالبة بالإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية، والتي تندرج في البرنامج الاحتجاجي الذي سطرته التنسيقية الوطنية للأساتذة المتعاقدين، كما شهدت تنفيذ إضراب عن العمل من يوم الثالث من نونبر إلى غاية السابع منه، تحت شعار من أجل وظيفة عمومية مستقرة.. دفاعا عن حق وليدات المغرب في تعليم عمومي ومجاني وجيد.
وفي هذا السياق تحدث عادل خي عن المكتب الإقليمي للتنسيقية الأساتذة المتعاقدين، في الحوار التالي مع جريدة “24 ساعة” الإلكترونية.
هل هذه الاحتجاجات من أجل المدرسة العمومية وإرجاع القيمة لها أو من أجل أطر الأكاديمية، بمعنى ضمان منصب شغل آمن في الدولة؟
شعار التنسيقية الوطنية للأساتذة المفروض عليهم التعاقد، هو الدفاع عن المدرسة العمومية وتحصين ما تبقى من مكتسبات الشغيلة التعليمية في ظل تخاذل الإطارات النقابية والهيئات الحقوقية؛ كما تناضل أيضا عن الحق في تعليم جيد ومجاني. فالدولة بتكريسها لنظام التعاقد كآلية استراتيجية في التوظيف تهدف من ورائه إلى رفع اليد عن قطاع التعليم باعتباره قطاعا غير منتج يستنزف ميزانية الدولة_ حسب منظورها_ بخصخصته وتسليعه استجابة لمتطلبات السوق الرأسمالي؛ وبتفويته أيضا، لمؤسسات عمومية في إطار اللامركزية واللاتمركز قصد التملص التدريجي من تمويل الخدمة العمومية بقطاع التعليم. توجهات سياسية أدخلت الهشاشة للمدرسة العمومية ولقطاع التعليم عامة بتجريدها لرجل التعليم من مقوماته الأصيلة التي تضمن له حقوقه وكرامته. ولا يمكن ان نتصور مدرسة عمومية مواطنة في ظل الهشاشة واللااستقرار الذي يعيشه الأستاذ. وبالتالي لا يمكن ان نفصل أو نرسم خطوطا فاصلة بين الأستاذ والمدرسة العمومية باعتباره جزءا لا يتجزأ من المدرسة العمومية وأساس تقدمها وجودتها. ونضالنا واحتجاجاتنا محكومة ومؤطرة بغاية أساسية وهي تحصين الوظيفة العمومية عامة والمدرسة العمومية بشكل خاص بضمان حقوق الأساتذة وحقهم في الادماج كمدخل أساسي للإصلاح الجذري لمنظومة التعليم.
هل الأستاذ المتعاقد مستقر مهنيا وماليا؟
توظف في أسئلتك سيدي، تارة مصطلح أطر الأكاديمية، وتارة أخرى مصطلح متعاقد. توظيف يدل على عدم ثبات واستقرارية التسمية فما بالك باستقرارنا المهني والمالي. لا يستقيم الحديث عن استقرار مهني ومالي للأساتذة المفروض عليهم التعاقد في ظل التوظيف بالعقدة أو التوظيف الجهوي كما تحب أن تسميه الوزارة الوصية عن القطاع لأن التعاقد جاء أساسا لضرب الاستقرار المهني والنفسي والاجتماعي والمالي لعموم الشغيلة التعليمية ابتداء من سنة 2016.
فالتوظيف بالعقدة جاء ليقطع بشكل نهائي ومطلق، مع نظام التوظيف القاضي بالتشغيل الدائم والمستمر، بدءا بالتكوين ومرورا بالتدريب والترسيم وانتهاء بالتقاعد. الاستقرار لا يعني فقط القيام بمجموعة من المهام المشتركة مع باقي الشغيلة التعليمية وشغل منصب بالمؤسسة؛ ولا الحصول على أجرة آخر الشهر؛ بل الاستقرار يجب أولا أن يتأسس على مجموعة من الحقوق التي تضمن للأساتذة المفروض عليهم التعاقد كرامتهم أولا، واستقرارهم النفسي والإجتماعي والإقتصادي ثانيا. ويمكن أن تلمس حالة اللااستقرار هاته التي يعيشها الأساتذة في جملة من المذكرات الوزارية سواء منها المنظمة للحركة الانتقالية بحرمانها لنا من حركة وطنية تمكن الأساتذة من الالتحاق بأسرهم وذويهم التي باتت مهددة بالتفكك والطلاق. وكيف يستقيم الحديث عن استقرار في غياب منصب مالي قار ممركز تابع لوزارة المالية؟ كيف يمكن أن نتحدث عن استقرار مالي والأساتذة محرومون من الترقية إذ تعرف وضعيتهم الإدارية والمالية جمودا لمدة أربع سنوات قابعين بذلك في الرتبة 1 كأساتذة متدربين، ما حال دون مشاركتهم في مباريات الإدارة والتبريز… كما تم حرمان بعض الأساتذة من منصب أستاذ مساعد بالجامعات رغم تبوئهم المراتب الأولى، لا شيء إلا لأنهم لا يتوفرون على منصب مالي قار. كيف يمكن أن نتحدث عن استقرار مهني والأساتذة محرومون من الإطار ما يجعلهم تحت تصرف المديرية والأكاديمية تبعا للخصاص والمناصب الشاغرة. وكل تابع الانتقال التعسفي للأستاذ حمزة من مديرية طرفاية إلى مديرية بوجدور رغم أن الأستاذ ليس فائضا، وله جدول حصص كامل بمؤسسته الأصل. وبالتالي الاستقرار الذي تتحدث عنه الوزارة هو استقرار مبني على العبودية والاستلاب ،استقرار مبني على شفا جرف هار…
ما الهدف من تسطير البرنامج الاحتجاجي الجديد مع نهاية العطلة البينية الأولى؟ وكيف استقبلت أطر الأكاديمية الاقتطاعات الأخيرة؟
أولا ندين ونشجب التدخل القمعي الذي تعرضت له احتجاجات الأساتذة السلمية في مختلف أقاليم الوطن الذي يكذب أسطورة دولة الحق والقانون. معاملة من شأنها أن تطبع مع العنف في حق الشغيلة التعليمية وتسيء إلى المكانة الاعتبارية للأستاذ. الهدف من البرنامج النضالي الأخير والمتمثل في إضراب وطني أيام 3-4-5-6-7 هو الرد على الاقتطاعات غير القانونية التي طالت أجورنا إذ تراوحت ما بين 500 درهم و 2000، درهم دون معرفة سبب الاقتطاعات، لأن هناك أستاذات في رخصة ولادة وطال الاقتطاع أجرتهن…إضافة إلى المتابعات القضائية، والمجالس التأديبية الصورية التي طالت الأساتذة، لا لشيء إلا لأنهم قالوا: لا للتعاقد. هذا إلى جانب حرماننا من الحركة الوطنية وتغيير الإطار والترقية بالشهادة.
أين مصلحة التلاميذ من هذه الخطوة التصعيدية، خصوصا بعد الفترة التي انقطع عنها التلاميذ عن مقاعد الدراسة لأكثر من ستة أشهر، ويأتي الإضراب بعد يوم واحد من العطلة البينية الأولى؟
سؤال، صراحة محرج أخلاقيا، يزج بنا في مفارقة واضحة مفادها بأي منطق تدافعون عن مصلحة المدرسة العمومية في الوقت الذي تخوضون فيه إضرابا وطنيا مباشرة بعد العطلة يؤزم الوضع التعليمي بالبلاد ويحرم المتعلم من الحق في التعليم؟ يعلم الجميع أن الإضراب كحق مشروع دستوريا، هو الآلية الوحيدة المتبقية للشغيلة التعليمية لمجابهة والرد على قرارات ومذكرات الحكومة والوزارة الوصية على القطاع. فنحن لا نتخذ من الإضراب كغاية في ذاته، بل هو وسيلة للتعبير عن مواقفنا في ظل السياسة التي تنهجها الوزارة مع ملفنا وقضايانا ،إذ أغلقت جميع أبواب الحوار، ورفضت التنازل عن التعاقد. فهي ماضية بكل أجهزتها نحو ترسيخه وجعله مبدأ وقانونا للتشغيل في جميع القطاعات، رغم انها واعية كل الوعي بمخاطره على قطاع التعليم كقطاع حيوي. كما أنها تعرف قبل أن تشرع في سياسة التعاقد أن هذه الفئة ستخرج لا محالة إلى الشارع مطالبة بحقها في الإدماج أسوة بباقي الشغيلة التعليمية. وبالتالي فالدولة هي من يتحمل مسؤولية هدر الزمن المدرسي وزمن التعلم. وعليها أن تستجيب لنداء التنسيقية الوطنية للأساتذة المفروض عليهم التعاقد بإدماجهم في الوظيفة العمومية، ووضع حد لهدر زمن التعلم الذي يؤثر لا محالة على المتعلم كمواطن الغد.
ولا يخفى على أحد التضحيات الجسام التي يقدمها الأساتذة في سبيل أبناء هذا الوطن، وانخراطهم الفعال والايجابي لإنقاذ الموسم الدراسي 2019-2020 بانخراطهم في النمط التربوي القائم على التدريس عن بعد، بتقديمهم دروس عن بعد طيلة أشهر توقف الدراسة ما مكن المتعلمات والمتعلمين من التفوق في الاستحقاقات الإشهادية. كما يشهد المؤطون التربويون ومديرو المؤسسات على حصص الدعم والمراجعة التي استدركت ما فات من الدروس والتكوين بعد إضراب سنة 2018. وبالتالي فنحن نناضل من أجل متعلم اليوم وأستاذ وطبيب الغد. وفي الأخير أوجه رسالة إلى جميع الهيئات النقابية والحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني للدخول على الخط باعتبار التعاقد قضية شعبية لا تهم فقط التنسيقية الوطنية؛ ودفاعا عن حق المتعلم في مدرسة عمومية مواطنة؛ وعن حق الأستاذ في الإدماج وارجاع مكانته الاعتبارية المفقودة. فالتعليم الذي يكرم ويحترم أساتذته ويضمن حق المتعلم في تعليم مجاني جيد؛ هو ما يميز المجتمعات الحديثة المتقدمة عن المجتمعات المتخلفة.