عبد الله بوصوف
تعيش جبهة البوليساريو أحلك أوقاتها سواء على المستوى الداخلي، حيث يعاني سكان مخيمات تيندوف بالجزائر من تبعات الإنتشار القوي لجائحة كورونا وسط ساكنة محتجزة تعيش عزلة عن العالم، في ظل ظروف صعبة تتمثل في غياب مرافق صحية تخفف من معاناة سكان المخيمات لمواجهة فيروس كورونا، مع تعمد قادة الجبهة إخفاء الأرقام الحقيقية لعدد المصابين والموتى مخافة قيام انتفاضة داخلية لساكنة المخيمات. هذا بالإضافة الى كشف العديد من المنظمات الإنسانية الدولية لفضائح متعلقة بالمتاجرة في المساعدات الإنسانية أو توزيعها بطريقة انتقائية، فيما كشفت تقارير دولية أخرى عن وجود تنسيق بين مجموعات قادمة من شمال الجزائر توزع المخدرات الصلبة وحبوب الهلوسة وسط الشباب و الشبابات في المخيمات، جعلت من حياتهم جحيما ورهائن مقابل جرعات مخدرة أو حبات مهلوسة، وسلبتهم حق و حرية الاختيار.
كما تعيش الجبهة أوقاتا صعبة على المستوى الخارجي ، حيث حققت الديبلوماسية المغربية انتصارات غير مسبوقة خاصة بعد عودة المغرب للبيت الافريقي، كما ان تلك العودة مكنت المغرب من تصحيح العديد من المغالطات وفضح أطروحات البوليساريو تعود لزمن الحرب الباردة، وهو ما جعل العائلة الافريقية تقر في دورتها بنواكشوط في يوليوز 2018 ” بالدعم و المواكبة لجهود الأمم المتحدة ” باعتبار الأمم المتحدة هي صاحبة الاختصاص الحصري في مسألة الصحراء المغربية.
ليس هذا فقط بل إن ما أفسد حياة قادة البوليساريو و رؤسائهم في قصر المُرادية هو نزيف سحب الاعتراف بالجمهورية الوهمية من جهة، وترسيخ مبادرة المغرب للحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية في الجنوب المغربي تحت السيادة المغربية كحل سياسي سلمي واقعي و توافقي من جهة ثانية. وسترتفع درجة حرارة جنرالات المرادية مع افتتاح العديد من القنصليات لدول افريقية صديقة ودول عربية شقيقة، بالإضافة الى عقد شراكات استراتيجية اقتصادية ضخمة تضم الجنوب المغربي في اطار استراتيجية تنمية اجتماعية واقتصادية وثقافية بالجنوب الصحراوي المغربي وتنويع اقتصاده ليشمل الاقتصاد البحري خاصة بعد ترسيم المجال البحري المغربي وضم الواجهة الأطلسية للصحراء المغربية..وهو ما يعني طفرة اقتصادية مستقبلية مع ميناء الداخلة الأطلسي جنوبا وميناء طنجة المتوسطي شمالا واشعاعا قاريا ودوليا.
المغرب وهو يشتغل و يُخطط تلك الاستراتيجيات الاقتصادية والاجتماعية والتنمية المجالية لأقاليمه الصحرواية، لم يكن يشتغل في الخفاء، بل كان يشتغل مع شركاء دوليين و في إطار الشرعية الدولية، إذ كان المغرب يُعلن عن استراتيجيته بالنهوض بالاقاليم الصحراوية في خطابات ملكية سامية عند كل احتفال بذكرى المسيرة الخضراء العظيمة.
كما أن المغرب وهو يشتغل ويتقدم بخطوات ثابتة، كان ينتظر ردات فِعْل الخَيْبة من طرف الجبهة الوهمية،.وكان يعتبرها مجرد استفزازات مجانية ورقصات الديك المذبوح، وهروبا الى الامام بعد انهيار أطروحتها المتجاوزة على مستوى قرارات مجلس الامن و تغيير معادلات السياسات الدولية أو على مستوى المنجزات الواقعية.
فعندما ترسل الجبهة الوهمية عصابات في زي مدني لقطع معبر الكركرات أمام شاحنات محملة بالبضائع الأساسية و بالادوية لدول العمق الأفريقي، وهي بذلك تقطع الطريق على ممرات إنسانية، في سابقة لم تشهدها حروب عالمية ونزاعات دامية سابقة بحيث كانت تعطى الاسبقية دائما للمرات الإنسانية، فقد كانت تهرب الى الامام.
و عندما تقطع الطريق أمام مارطون باريس / داكار العريق للسيارات الرياضية منذ سنة 2017، وهي عرقلة غير مسبوقة اذ أن الألعاب الأولمبية كانت تُوقِف الحروب و الصراعات المسلحة، فقد كانت تهرب إلى الامام.
و عندما تعرقل حركة سير التجارة بين الحدود المغربية / الموريطانية ، و تهدد بذلك حياة السائقين ليس المغاربة فقط، بل غيرهم من الأوروبيين و الاسيويين، فانها تهرب إلى الأمام.
لقد اعتاد المغرب على شطحات و استفزازات تقوم بها عصابات البوليساريو قبل التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي السنوي في نهاية كل شهر أكتوبر، وتهدف عادة تلك الشطحات المصحوبة بالتلويح بالعودة لحمل السلاح، الضغط علي مجلس الأمن الدولي، واستجداء عطف المنظمات الإنسانية.
فكانت الخيبات والانتكاسات هي ما تحصده البوليسياريو في كل شطحاتها..خاصة مع متغيرات السياسات الدولية في مجال المساعدات الإنسانية و تداعيات جائحة كورونا، وصراع الجنرالات داخل أروقة قصر المرادية في ظل ضبابية الوضع الصحي للرئيس الجزائري، وتدهور الوضعية الاقتصادية والاجتماعية و معاناة الشعب الجزائري الشقيق من تهريب عائدات البترول والغاز إلى أبناك بلخارج أو تبديد الثروة الوطنية في صراع لا يعني الشعب الجزائري.
كما أن تعنت البوليساريو و خروجه عن الشرعية الدولية ورفضه تنفيذ قرارات مجلس الأمن..لم يكن حادثا عرضيا، بل كان مقصودا ومبرمجا، وهو ما يبرر البيان الصحافي للبوليساريو الصادر مباشرة بعد التصويت في 31اكتوبر 2020 و الرافض للقرار الأخير لمجلس الامن رقم 2548 /2020 و تهديدهم بعدم استئناف طاولات النقاش مع باقي الأطراف أي موريطانيا و الجزائر، وهو ما يعني خرق قرارات المنتظم و الشرعية الدوليتين و الهروب إلى الامام، بدل الرضوخ للغة الواقعية و الحل السياسي السلمي التوافقي.
فالرد المغربي كان من خلال خطاب المسيرة الخضراء العظيمة في 7 نوفمبر 2020، معتمدا على المنطق والحكمة ومنبها لاستعداد المغرب للتصدي لكل المحاولات الماسة بسلامة واستقرار أراضيه الجنوبية..مع التأكيد على ثقة المغرب في جهود معالي الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي في حماية وقف اطلاق النار بالمنطقة.
لكن ذات الخطاب نبه أيضا الي عدة نِقاط في غاية الأهمية، أولها هي “مواصلة التعبئة و اليقظة…لرفع التحديات الداخلية و الخارجية..” وهي تأكيد جديد لمقولة ” إن وقت ازدواجية المواقف قد انتهى ، فإما أن تكون مغربي أو غير مغربي… ” لذلك يجب فضح كل الخونة لأن غير مغربي تعني بكل بساطة ” خائن “، و لأن في خيانتهم مساس بسلامة و أمن المغرب و استقرار أراضيه.
و ثاني النِقاط الهامة الواردة في الخطاب الملكي هي ” نؤكد رفضنا القاطع للممارسات المرفوضة (…) لتغيير الوضع القانوني والتاريخي شرق الجدار الأمني او استغلال غير مشروع لثروات المنطقة…” .
و اذا علمنا ان المنطقة الشرقية للجدار الأمني هي منطقة عازلة وتحت وصاية المينورسو و مجلس الامن الدولي، فقد قامت الجبهة الوهمية بعدة محاولات لتغيير معالمها القانونية و التاريخية الثابتة باعلان وقف اطلاق النار لسنة 1991، وأبرزها دفن زعيم الجبهة محمد بن عبد العزيز في منطقة بير لحلو التابعة للمنطقة العازلة، وهو ما كان موضوع مراسلات احتجاج مغربية لمجلس الامن الدولي و لبعثة المينورسو. كما أن نفس فقرة الخطاب الملكي نبهت الى محاولات الاستغلال الغير المشروع لثروات المنطقة!
فهل كانت عربدة عصابات البوليساريو بمعبر الكركرات هي تمويه تكتيكي عما يحدث خلف شرق الجدار الأمني؟ وهل شطحات قُطاع الطرق بالحدود المغربية / الموريتانية هي فقط جر وسائل الاعلام الدولية و معهم المينورسو و المنظمات الدولية الى المعبر الحدودي وتغطية ما يحدث بشرق الجدار الأمني من استغلال غير شرعي لثروات المنطقة مثلا؟
و سواء كان هذا أو ذاك ، فقد كان التدخل السلمي للقوات المسلحة الملكية المغربية لتأمين الطريق الحدودي ضروريا لوقف عربدة قطاع طرق و مرتزقة بلباس مدني، تمادوا طيلة شهر من الزمن في تهديدهم لمواطني العديد من الدول اثناء عبورهم بشاحناتهم نحو العمق الإفريقي، ولنواصل رفع درجات التعبئة و اليقظة، فحماية الوطن هي مسؤولية جميع المواطنين.