عبد الله بوصوف
خطاب العرش، هو احتفالية خاصة لدى جميع المغاربة ، لانه خطاب يحمل ثمرات ذكرى النضال والتلاحم القوي بين الملك و الشعب من أجل الاستقلال و الحرية و الكرامة ، و هي مناسبة لها وَقْعها الخاص في الذاكرة المغربية خاصة وقد تتزامن مع إطلاق القرارات الكبرى أو التفكيك القوي للأوضاع السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية للبلاد ، أو اطلاق المبادرات و المشاريع الكبرى..كل هذا كان يؤثت مناسبة عيد العرش و يجعل منها جلسة عائلية كبيرة حيث يتكلم ” كبير العائلة ” فيما يستمع أفرادها بكل إمعان.. كل هذا يجعل من خطاب العرش مُمَيزًا بكونه مساحة مكاشفة صريحة مع جرعة كبيرة من الأمل و الثقة في النفس و أن شعاع النور يظهر في آخر النفق.
لقد رسخ خطاب الذكرى 23 لتربع جلالة الملك محمد السادس على العرش.. الرغبة القوية في السير قدمًا رغم تقلب الظروف وتداعيات الكوفيد و انعكاسات التقلبات العالمية…و أن الوصفة هي مشاركة جميع المغاربة في بناء المغرب الذي نريده أي مغرب التقدم و الكرامة.
بطبيعة الحال لا يمكن تصور أي عملية تقدم بدون مراعاة عمليات التنمية البشرية ، و بدون مراعاة كل الضوابط التي تحفظ كرامة المواطنين و تضمن التوازن و الاستقرار الاجتماعي… لذلك فقد أعاد الخطاب الحديث عن مدونة الأسرة و ترسيخ دور المرأة و تفعيل المؤسسات الدستورية الخاصة بحقوق الاسرة و المرأة..مذكرا في ذات الآن أن مدونة الاسرة ليست خاصةً بالرجل وحده ، أو بالمرأة وحدها ، بل هي لمجموع الاسرة مع مراعاة مصلحة الأطفال..كما نبه لضرورة إعادة النظر في بعض العوائق والاختلالات باعتماد مقاصد الشريعة الإسلامية و الاعتدال و الاجتهاد المنفتح… بالإضافة الى إجراءات تدعم البنية التحتية و اللوجيستية لمحاكم الأسرة بالمملكة… مع تذكير أمير المؤمنين بأن تمكين المرأة من حقوقها لا يعني انه سيكون على حساب الرجل ، ولا يعني انه سيكون على حساب المرأة و أنه ” لن أحل ما حرم الله ، ولن أحرم ما احل الله ، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية…”
و بهذا يُــعيد الخطاب فتح ورش حقوقي مجتمعي قوي يساهم في تحصين المجتمع و يزيد من مساحة إشراك المرأة في مسلسل التنمية و التقدم..وهنا لابد من التذكير بقرارات المجلس الوزاري ليوم الأربعاء 13يوليوز حيث جاءت في أحد فقراته ” .. و إستيفاء النفقة بالخارج لفائدة الأطفال و الأسرة.. “حيث نلمس معاناة حقيقية للعديد من الاسر المغربية بالخارج مع ملفات الطلاق و النفقة و التبليغ و تحديد النفقة و طرق استيفائها…وهذا في حد ذاته ورش حقوقي قوي ينتظره مغاربة و مغربيات العالم ،لا سيما و أن حالات الطلاق تُستهلك بدول غربية تحكمها قوانين مدنية تختلف في أكثر من نقطة مع مدونة الأسرة المغربية.
إن ما عبر عنه الخطاب بتنزيل ” المشروع الكبير” أي تعميم الحماية الاجتماعية و تأهيل المنظومة الصحية الوطنية و عمليات الانخراط في التأمين الإجباري و استكمال التغطية الاجتماعية و تعميم التعويضات العائلية مع نهاية سنة2023 مع اعلان ارقام محددة في 7ملايين طفل ينتمي للعائلات الهشة و 3ملايين أسرة.. ستستفيد من ثمرات هذه التدابير الاجتماعية مع تسريع إخـراج السجل الاجتماعي كآلية أساسية لمنح الدعم…يمكننا وصفه بكل فخر ثورة ملكية هادئة و تعبير عن انشغال و إصرار ملكي قوي لتحقيق السيادة الصحية الوطنية و التغطية الاجتماعية.. و هو ما لمسناه في قراءات لخطب و رسائل ملكية سابقة ..من شأنه تحقيق ثنائية التقدم و الكرامة.
لقد اصبح من باب الفخر أن نقرأ بصوت عال مجموع المنجزات و التضحيات في زمن الكوفيد و التقلبات العالمية..ومن ضمنها دعم المواد الأساسية و ضمان توفيرها في الأسواق و مضاعفة ميزانية صندوق المقاصة لتتجاوز 32مليار درهم.. وهنا سيعلق ” كبير العائلة ” بأن هذا ليس بكثير على المغاربة.
فالتقدم و التنمية الاقتصادية و البشرية…لا يتأتى إلا في أجواء متفائلة و واثقة في نقـط قوتها و في إمكانياتها من أجل تسهيل جلب الاستثمارات الأجنبية و تحفيز الصادرات و النهوض بالمنتوج الوطني..لكن لابد من محاربة العراقيل المقصودة و المصالح الشخصية الضيقة.
من جهة أخرى ، فان سياسة الــيــد الممدودة للاشقاء الجزائريين ليست بحدث مفاجئ ، حيث حرص جلالة الملك في أكثر من مناسبة على التأكيد على أهمية ربط الجسور بين الشعبين الشقيقين و ان قوة الروابط التاريخية و الإنسانية والمصير المشترك..هي أكبر بكثير من سياسة إغلاق الحدود و أجواء التواصل..وهو ما ترك المجال مفتوحا للبعض لإشعال نار الفتنة و ترويج أكاذيب و اتهامات بسب الاشقاء الجزائريين.. في حين ان المغاربة منها براء ، بل يدفعون للخروج من هذا الوضع الغير المعقول، و يتطلعون للعمل سويا مع الرئاسة الجزائرية لإرجاع العلاقات إلى طبيعتها.
ان خطاب العرش لسنة 2022 جاء مفعمًا بالأمل ، ومؤكدا لاصرار ملكي لتحقيق ” المشروع الكبير ” رغم الاكراهات الخارجية يهدف الى بناء مغرب متقدم و مغاربة يعيشون بكرامة ، و مذكرا بأن تجاوز المغرب للأزمات كان بفضل تلاحم العرش و الشعب و تضحيات المغاربة الاحرار..وأصبح درسا مغربيًا بإمتياز.