يأخذ صاحبنا المعلوم قلمه مسلحا بالتحليل الزائف ليكتب افتتاحية تمجيد للقوة الثانية المزعومة، ثم يتيه بين صفحات “أخطار اليوم”، محاولا جعل أعمدتها لسان خدام الشعبوية. وحيث أن مقال الرأي أصبح يأخذ مقام “التوصيف”، فلا بد من تذكير “أبو الصفرين” بمفارقته التوفيق حين توصيف الوضع السياسي الراهن بوجود قوتين فقط لا ثالث لهما: قوة الملك وقوة بنكيران، مع تجديد التنبيه إلى أن قوة دستور دولة المؤسسات تضمن العديد من الحلول القانونية القمينة بحل هذه الأزمة الراهنة بعيدا عن عقد النرجسية والغرور المؤسسة لفقاعة طرح قوة بنكيران الثانية.
وما يثيرني في خواطر الخارج عن التوفيق غفلتُه المتعمدة عن ذكر جميع حقائق واقعة الحسيمة التي -كما يعرف الجميع- لم تستثن حزب العدالة والتنمية من وصف “الدكاكين السياسية”، مثلما لم نسمع عن مطالبة سكان الحسيمة بوساطة القائد الفاتح عبد الإله بنكيران. فكيف يستطيع صاحبنا المعلوم الاستمرار في نسج خيوط أساطير خدام الشعبوية؟! كيف يقفز على كل الحقائق المستخلَصة من واقعة الحسيمة ليعمل على تهريب المسؤولية السياسية عن بنكيران، رغم أن شرارة الأحداث انطلقت خلال ولايته كرئيس للحكومة وتطورت حدة التوتر خلال ولاية رئيس الحكومة الحالي سعد الدين العثماني؟! وما يجمع السيدين الرئيسين هو انتماؤهما إلى التنظيم السياسي نفسه، حزب العدالة والتنمية، الذي يحاول “أبو الصفرين” توصيفه بالقوة الثانية التي تحاول اجتثات مفهوم التعددية الحزبية داخل المجتمع.
ومع هلامية خدام الشعبوية، نسمع الحديث عن وجود قوتين؛ ونقف هنا لطرح السؤال المهم: لماذا يستعين الطابور الإعلامي المطبّل لبنكيران بما سبق أن خطب به السيد علال الفاسي في الخطاب الذي ألقاه “فقيه” حزب الاستقلال في طنجة سنة 1956؟! ومما جاء فيه “ليس في المغرب من قوة إلا قوات ثلاث: أولا قوة حزب الاستقلال، وقوة جيش التحرير، وثالثها قوة القصر. وإذا اعتبرنا جيش التحرير قوة من الحزب وإليه، كانت في المغرب قوتان لا ثالث لهما: قوة حزب الاستقلال وقوة القصر أو العرش” (الأحزاب السياسية المغربية لمؤلفه الدكتور محمد ضريف، ص. 85). لماذا هذه الإيحاءات الرجعية التي تنهل من أفكار منظومة “الحزب الوحيد”، والتي تساندها أقلام خدام الشعبوية نحو نشر البؤس السياسي ونظم الغزل في قوة “الفقيه الجديد” بنكيران؟! ويبدو أن العقدة التي تلازم الطابور الإعلامي لخدام الشعبوية مرتبطة بإسقاطات عقدة انعدام مساهمة فكر “حسن البنا” الإخواني في دفع شبهة الارتباط بالمحتل البريطاني وخيانة النضال الوطني في مصر، معقل الفكرة الأم.
وحيث أن حسن البنا يجسد الأب الروحي لفكرة “الإسلام الحركي” أو التغيير بالوصول الى السلطة، فإن غالبية التنظيمات المؤدلجة للإسلام في الوطن العربي، ومنها تجربة “الإخوان المقلدون” في المغرب، تأثرت بحيلة التدين السياسي لتأمين وصول الحركة الى السلطة. ويكمن الاختلاف فقط في الشكل والمرونة المتعلقة بحجم التمكين السياسي الذي يراكمونه داخل المجتمع في انتظار التوقيت الاجتماعي المناسب. وبالتالي فاللجوء إلى التحالف أو الإندماج داخل أحزاب الحركات الوطنية أو الاستعانة بالإرث السياسي لشخصيات وطنية “علال الفاسي نموذجا” هي تكتيكات أو حيل يستطيع من خلالها خدام “الإخوان المقلدون” تحجيم نقطة ضعفهم وتمويه الشعب بامتداد تاريخي افتراضي يعود بهم إلى السلف المناضل من أجل التحرير، بعدا أن احتكروا الحديث باسم سلف الدعوة الأول وجعلوا أنفسهم حراس ذاك المعبد..
من هذه الإطلالة ندرك أن الحديث عن وجود قوتين في المغرب، قوة الملك وقوة بنكيران، ينذر بكشف المزيد من المستور من أهدافهم السياسية المشبوهة. كما يدعو الجميع إلى التمعن العميق في قاموس ماضوية الصراع الذي تستعين به أقلام خدام الشعبوية لتوصيف الحاضر. إنهم لا يملكون غير هذا الخطاب السفيه: خطاب تحريض الماضي على الحاضر!