كان في مستطاع حسن بناجح أن يجزم أن مثوى النساء اللائي لقين حتفهن في حادثة آسفي المؤسفة هو المقام الأعلى في الجنة بعد أن وضعهن في قائمة الشهداء التي لم تعد تتسع لكل موتانا.
وكان له أن يفعل ذلك لأنه ينطق باسم جماعة تتوهم أن الباطل لا يأتيها من بين يديها أو من خلفها. فكما تصنف حياتنا التي لا تساوي حبة خردل في قواميسها العدمية ، ها هي تتفرغ الآن في عليائها المقدس لتصنف موتنا وتمنحنا بطاقات العبور من جحيمنا الأرضي الى الملكوت الأعلى.
ولعله كان قادرا على ذلك لأنه وريث رؤى ومبشرات وأضغاث كوابيس رأت ما يحترق من أطراف ثوبنا ولكنها لم تبصر ما يفعله رجال الاطفاء الحادبين على سلامة البلاد والعباد.
ولكن ما لم يقله مريد الجماعة هو كيف لبلد طافح بالفقراء والمكروبين أن ينتج هذه القلة من الشهداء التي لا تؤهله لدخول كتاب غينيس في هذا الزمن المكدس بجثث المؤمنين حقا والمتأسلمين زورا وبهتانا على امتداد هذه القنبلة الكونية.
ومع أنه سيصعب على كل المغاربة التصالح مع الأخطاء التي تسيل دما وتذهب بأرواح الأكثر ضعفا وحاجة إلا أن تعلق الجماعة بكل ما يمت الى الموت المؤهل للشهادة يظل توظيفا رديئا لفواجع انسانية لا تصلح لصياغة خطاب سياسي تحريضي يقوم مقام أحلامها المجهضة بقوة ومنطق الواقع المعاش.
فبعد موت “القومة” وانطفاء جمرة 20 فبراير ، تبحث الجماعة عن كتائب شهداء يتقدمون الصفوف لرفع رايات “الجمهورية” بعد أن عجز أحياؤها عن الاعتراف بأن “الخروج على الجماعة” الكبرى مفسدة عظيمة على رأي كثير من العلماء والعارفين. ففي الجوهر، لا تمارس الجماعة حق الاختلاف عندما تصنف الموتى وتزفهم الى مراقدهم الأخيرة ولكنها تبحث في أصغر تفاصيلنا اليومية عن موجبات الشقاق والفتنة.
ان ما حدث في آسفي لا يعدو أن يكون خطأ جسيما كان يمكن تداركه على غرار ما يحدث في كثير من المناسبات المشابهة. وإذا كانت الجماعة تتوهم أن الكثيرين سينامون ملء جفونهم بضمائر من فئة خمسة نجوم فهي مخطئة كما هو حالها الغالب. اما اذا كانت تبحث عن معركة وشهداء وقيامة قبل الأوان فقد خاب مسعاها مرة أخرى. ولعلها ستكون أحسن حالا ومنعة اذا انصرفت الى حشر قتلى حوادث السير في قائمة الشهداء لأنهم أكثر عددا بحساب القومة المنتظرة.
رحم الله موتانا جميعا أكانوا من الشهداء فعلا أم من الموتى عابري السبيل.
ورحم الله جماعة عرفت قدر نفسها فترفعت عن اللغو والمهاترة والبحث بين أكفان الموتى عن شهادة حياة لفكر يعلن موته العاجل.