في سياق الضمانات المكفولة في دستور 2011، يخطئ من يرى في مسلسل الحراك الممتد من الحسيمة إلى جرادة ووجدة “استثناءا مغربيا” قادرا على خلط الأوراق وقلب الموازين. ففي الأصل، لا يتعدى الحراك كونه تعبيرا حرا عن مظالم الساكنة ومطالبها ورأيها الآخر في ما أغفلته مخططات التنمية وما قصرت في أدائه سلطات الحكامة والتدبير. ومن هذا المنظور، يصبح الحرك المؤطر والمسئول دليل عافيتين: عافية المواطن الذي يملك أن يمارس حرياته الأساسية بكفالة دستورية جازمة وعافية السلطة التي تسمع وتستجيب دون أن تفرط في واجب الحفاظ على الأمن والاستقرار. وبالمجمل، يظل الحراك، في مجمل إبعاده، دليلا حيا على المشقة التي تتكبدها كل الشعوب عندما تراهن على بناء وطن يسع الجميع قبل أن تغامر ببناء سلطة صفوية عابرة.
غير أن بعض العدميين والظلاميين يميلون الآن إلى اعتبار الحراك بركة مياه عكرة يصطادون فيها ما تعذر عليهم تحقيقه من أحلامهم الخرقاء. ففي جامعة سيدي محمد بن عبد الله بوجدة يتوهم قاعديو اليسار الطفولي أنهم الآباء الشرعيين للحراك الذي سيضعهم في قلب التيار الجارف لثورات القرون البائدة عسى أن يتمكنوا من إعادة كتابة تاريخ المغرب بمواصفات مغايرة تظللها الرايات الحمراء.
وبقدر ما يتمادى القاعديون العدميون في أوهامهم، ينبري لهم في الجانب الأيمن من مسارات الوهم الكاذب أهل “القومة” والبشارات التي تعد العادلين المحسنين بالجنة وتسوق “أيها الناس” إلى الدرك الأسفل من الجحيم.
ولعل أغرب ما في الأمر أن الحراك الاجتماعي يظل، بالتعريف والمضمون،نتاج حراك سياسي ولكن من يتقاتلون على تبنيه ورعايته ورفده بمزيد من الهتافات الفارغة لا يؤمنون أصلا بمقتضيات التدافع السياسي بدعوى أن السياسة، عند العدميين،تجسيد لقيم ومؤامرات صغار البرجوازيين والليبراليين المتوحشين بينما يراها أهل القومة رجسا من عمل الشيطان وممارسة فاسدة في فضاء ملوث.
ومع ذلك فان معارك العدميين والظلاميين لا تكفي لصرف الأنظار عن حقيقتنا الجوهرية الأكثر سطوعا وهي أن الحركات الاحتجاجية المتواترة تظل واحدة من إفرازات الحراك التنموي الذي تعرفه المملكة على امتداد ترابها المقدس من طنجة الى الكويرة. ومن ثم فان الحركات الاحتجاجية ليست لقيطة تبحث عمن يتبناها ويسدل عليها أردية الأبوة والوعود الكاذبة. ففي المغرب الراهن ثورة تنموية تعيد صياغة الأرض والإنسان وفيه ما يكفي من بشارات الخير والأمل بغد آمن مطمئن.