يفرض التساؤل حول الدلالة السياسية لإلغاء القمة التي كان من المزمع عقدها بين إفريقيا وإسرائيل في العاصمة التوغولية في أكتوبر المقبل نفسه، وإن كان احتمالا غير مقنع إذا وضعنا في الاعتبار مدى الروابط التي ربطت الطرفين، على امتداد عقدين من الزمن. فقد ولى الزمن الذي كانت فيه القارة الإفريقية بأسرها تقريباً تُقاطع فيه إسرائيل.
فمنذ إطلاق شعار “إسرائيل تعود إلى إفريقيا -إفريقيا تعود إلى إسرائيل”، في فبراير من العام الماضي، احتفالا بإنشاء “لوبي موال لإفريقيا” داخل البرلمان الإسرائيلي، قام بنيامين نتانياهو، في يونيو من السنة ذاتها، بجولة شملت كلا من أوغندا وكينيا وإثيوبيا ورواندا. كما ألقى كلمة خلال القمّة الحادية والخمسين للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
ومنذ ذلك الحين لم تتوقّف الزيارات الرسمية الإفريقية إلى إسرائيل، وكانت آخرها زيارة بول كاغامي، رئيس رواندا في يوليوز الماضي، وزيارة فوري غناسينغبي، رئيس توغو، في غشت من السنة نفسها. وإذا كان لشعار نتنياهو أثر واضح، إذ تتناقله وسائل الإعلام العالمية عند كل تواصل إسرائيلي -إفريقي جديد، فإن إلغاء القمة الإفريقية التي كانت مرتقبة في أكتوبر المقبل في لومي، قد يوحي للوهلة الأولى بأنّ على الدبلوماسية الإسرائيلية أن تكون أكثر تحفظاً وتواضعاً.
سيراً على نهجكم من الصين والهند وتركيا، تطمح إسرائيل، إذن، إلى الاستفادة من التراجع الأمريكي عن الانخراط في إفريقيا ومن “انسحاب” فرنسا وانشغال الأنظمة الملكية النفطية في الصراعات الشرق أوسطية وداخل الجزيرة العربية. ويسعى نتانياهو إلى تحقيق هدف دبلوماسي، إذ إنه يتطلع إلى اكتساب حلفاء جدد داخل المنظمات الدولية للتصدي للحملة الفلسطينية داخل الأمم المتحدة وداخل منظمة “يونسكو” والمنتديات الدولية الأخرى في السنوات الأخيرة. كما تسعى إسرائيل إلى استرجاع مقعدها كمراقب ضمن الإتحاد الإفريقي، الذي كانت تشغله حتى عام 2002، فيما لا تغيب المصالح الجيو- إستراتيجية للدولة العبرية أبداً عن ذهن نتنياهو.
من جهتها، تريد الدول الإفريقية تنويع مصادر تزويدها بالأسلحة وبالتكنولوجيا العسكرية والاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية في مجال جمع المعلومات ودراستها والتحكّم فيها وفي مجال الشبكات والحروب الإلكترونية، وكذا في مجال الري ومعالجة المياه واستغلال الطاقة الشمسية.
منذ قيام كيانها، طوّرت إسرائيل علاقات دبلوماسية واقتصادية مع الدول الإفريقية، وتؤشر تحرّكاتها على أن تراجع الترتيبات الأمريكية والأوروبية في إفريقيا، إذ تشارك دول القارتين دوريا كعنصر من عناصر لعبة تكامل واسعة، تؤدي فيها إسرائيل دور القوة الرديفة أو التكميلية، ولكن وفقاً لمصالحها الخاصة.
حتى نهاية ستينيات القرن الماضي، كانت الدولة العبرية تستفيد -بصورة أو بأخرى- من هالة مناهضة الاستعمار. كما أقامت علاقات جيدة مع عدد من الدول الإفريقية حديثة الاستقلال، ما تمسّكت به أكثر بعدما أُبعدت عام 1955 من “ميثاق باندونغ”، الذي شكّل نقطة الانطلاق لسياسية “العالم الثالث” في الساحة الدولية.
في هذا الإطار، أقامت غولدا مايير تحالفاً مع جومو كينياتا منذ عام 1963 بفتحها سفارة في نيروبي. كما اعترفت إسرائيل باستقلال مالي والسنيغال منذ عام 1960 وحافظت في الفترة ذاتها على علاقاتها الدبلوماسية وتعاونها مع أكثر من ثلاثين دولة إفريقية، من بينها الغابون والكامرون والتشاد والكونغو برازافيل وغانا وغينيا وليبيريا ونيجيريا وسييراليون وتوغو.
وقد كان لتوقيع اتفاقيات أوسلو والاتصالات التي أقيمت ما بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل أثرٌ في كسر حالة “العزلة” التي كانت تحيط بإسرائيل في إفريقيا. وتقيم إسرائيل اليوم علاقات دبلوماسية مع يقرب من أربعين دولة إفريقية، من بينها عشر دول تستقبل بعثات دبلوماسية إسرائيلية دائمة. لكنّ هذه العلاقات أو السفارات لا تضمن لإسرائيل مساندة لمواقفها في المنظّمات الدولية. فكينيا وأثيوبيا فقط هما اللتان تظهران دعمهما للوجود الإسرائيلي ضمن الاتحاد الإفريقي، وهو الوجود الذي تعارضه جنوب إفريقيا، الشريك التجاري الرئيسي لإسرائيل في إفريقيا.