24 ساعة – متابعة
تشكل الذكرى الحادية والعشرين لتربع الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، على عرش أسلافه الميامين، التي ستحل يوم الثلاثين من شهر يوليوز الجاري، مناسبة لتأكيد الوفاء الصادق الذي يتبادله العرش والشعب، وتجديد العهد المقدس الذي يلحم بينهما بأواصر البيعة الشرعية المتجذرة منذ قرون، وتطلع نحو تحقيق المزيد من الانتصارات للوطن، وفرصة لشحذ الهمم ولتجديد العزائم وتوطيدها والمضي قدما في تشييد صرح المغرب الحديث.
وتتجلى قوة هذا التلاحم والتناغم بين العرش والشعب من خلال قرار تأجيل جميع الأنشطة والاحتفالات والمراسم التي كان مقررا تنظيمها بهذه المناسبة، وذلك أخذا بعين الاعتبار للتدابير الاحترازية المتخذة في إطار حالة الطوارئ الصحية، حفاظا على صحة المغاربة وحماية للأرواح.
وتشكل هذه الذكرى الوطنية العظيمة فرصة للوقوف، ملكا وشعبا، في لحظة تأمل، عند ما تم تحقيقه وما يتعين القيام به لبناء مغرب مزدهر جدير بأبنائه، والتعبير عن الالتزام المتبادل بين الملك والشعب لرفع التحديات وتخطي المعيقات كيفما كانت طبيعتها.
وقد تم التأكيد مرة أخرى، خلال هذه السنة التي اتسمت بالأزمة الصحية الناجمة عن فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، على هذا الالتزام المتبادل بين الملك والشعب، حيث أعطى جلالته تعليماته السامية للحكومة قصد الإحداث الفوري لصندوق خاص لتدبير ومواجهة جائحة فيروس كورونا.
وعرف هذا الصندوق، الذي كان مخصصا للتكفل بالنفقات المتعلقة بتأهيل الآليات والوسائل الصحية ودعم الاقتصاد الوطني، تدفقا سريعا لمساهمات من عدد من المقاولات المواطنة والخواص الذين استجابوا لنداء صاحب الجلالة من أجل المساهمة في المجهود الوطني الرامي الحد من تداعيات هذه الجائحة وتجسيد مرة أخرى هذا الرابط القوي الذي يجمع بين العرش والشعب.
إن المغزى الحقيقي للاحتفال بهذه الذكرى، هو التشخيص الدائم لعرى التلاحم الوثيق بين العرش والشعب، والولاء الدائم والوفاء المستمر الذي يكنه الشعب المغربي الوفي لعاهله جلالة الملك محمد السادس، والتعبير الصريح عن القيم والأصالة، والارتباط بالحرية والديمقراطية، والاستعداد الدائم للذود عن حرية الوطن واستقلاله واستكمال وحدته الترابية.
وقد أكد ذلك الملك محمد السادس، في أول خطاب للعرش، بقوله “إننا نطمح إلى أن يسير المغرب في عهدنا قدما على طريق التطور والحداثة، وينغمر في خضم الألفية الثالثة، مسلحا بنظرة تتطلع لآفاق المستقبل في تعايش مع الغير، وتفاهم مع الآخر محافظا على خصوصيته وهويته، دون انكماش على الذات، وفي كنف أصالة متجددة وفي ظل معاصرة ملتزمة بقيمنا المقدسة”.
وفي غمرة الاحتفال بهذه الذكرى الوطنية المجيدة التي تؤرخ لاعتلاء أمير المؤمنين الملك محمد السادس عرش أسلافه الميامين يوم 30 يوليوز من سنة 1999، يسترجع المغاربة أهم النضالات والملاحم الجهادية الخالدة التي خاضها كل من جده جلالة المغفور له الملك محمد الخامس وجلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراهما، جنبا إلى جنب مع أبناء الشعب المغربي، تمهيدا لقيام صرح مغرب الحرية والانفتاح والتقدم بجميع أوجهه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
فلقد حاول الاستعمار، الذي جثم بثقله على المغرب لأزيد من أربعة عقود، تسخير كافة الوسائل وتوظيف جميع الأساليب المتاحة للمساس بالوحدة الوطنية والنيل من الرباط المتين الذي يجمع المغربة قمة وقاعدة، مستهدفا من خلال ذلك، طمس معالم آصرة قوية جسدتها رابطة البيعة وتشبث الشعب المغربي القوي بالعرش العلوي المجيد.
وضدا على هذه المساعي الخبيثة، ما كان من الشعب المغربي إلا أن يبرهن للعالم بأسره عن تعلقه الدائم وحبه العارم لوطنه وملكه، مبديا استعداده القوي واللامشروط لخوض أشد المعارك وتخطي أعتى الصعاب، ذوذا عن مقدساته وصونا لكرامته النابعة من إبائه وأصالته، وهو ما أشار إليه المغفور له الحسن الثاني في خطابه بمناسبة الذكرى الـ19 لثورة الملك والشعب سنة 1963، واصفا هذه العلاقة المتينة بالرابطة التي “نسج التاريخ خيوطها بعواطف المحبة المشتركة، والأهداف الموحدة التي قامت دائما على تقوى من الله ورضوانه”.
فلقد جسدت البيعة الشرعية، على امتداد تاريخ المملكة المغربية، الرابطة المتينة والصلة الراسخة التي ما فتئت تجمع الملك بوصفه أميرا للمؤمنين وحامي حمى الملة والدين، بشعبه الذي يعتبره بمثابة قائد الأمة ورمز الوحدة والسيادة الوطنية بجميع تجلياتها.
وتشمل هذه الآصرة دلالات ومعاني شتى، تحيل في المقام الأول على كونها ضمانا لاستقرار وأمن المملكة، من خلال تجسيد الوحدة الوطنية وسلطة القانون واستتباب السلم، بما يتيح جعل البلاد واحة آمنة وسط صحراء محفوفة بمختلف مظاهر النزاع والاضطراب وعدم الاستقرار.
كما أن هذا الميثاق القائم على ركائز دينية متينة تستمد ثوابتها من شرائع الدين الإسلامي الحنيف، يجسد الاستمرارية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إذ أن تواصل الحكم الرشيد والثبات على النهج القويم، يعد مفتاح الاستقرار والرقي والازدهار.
من جهة أخرى، يعبر ولاء الشعب المغربي لملكه عن إجماع واضح حول تشبث المغاربة بالوحدة الترابية للمملكة ورغبتهم في صون حرمتها والذوذ عن حماها، اعتبارا لكون الملك رمزا للوحدة والتكامل والتماسك الترابي بين مختلف مناطق البلاد.
ومع حلول هذه الذكرى المجيدة، يقف الشعب المغربي وقفة إجلال وإكبار للملك محمد السادس، مستحضرا التحولات الإيجابية المشهودة والخطوات الجبارة التي حققتها المملكة خلال العقدين الأخيرين، واليقين يحذوه بأن تبوأ هذه المكانة الرفيعة لم يكن ليتحول إلى حقيقة من دون آصرة قوية بين العرش والشعب، تجسدها رابطة البيعة.