نور الدين الدغير
بنظرة خاطفة على منطقة الشرق الاوسط نرى أن الاحداث تتسارع فيها بشكل كبير و غير متوقع بالمنطق السياسي و الأمني، حكومة انتقالية تؤكد حضورها في سوريا، و تعلن أحمد الشرع رئيسا لها خلال الفترة الانتقالية، وقف اطلاق النار في غزة و الذي لا أحد قادر حتى اللحظة التأكيد على أنه سيظل ثابتا، و الجميع يترقب المرحلة الثانية من المفاوضات، و على مقربة من سوريا حتى اللحظة الامور تمشي بسلاسة في لبنان و هذا لاينفك بالتأكيد عن المتغيرات التي حدثت في سوريا، و بؤر أخرى بالمنطقة يتوقع لها ان تنفجر في أي لحظة سواء في اليمن أو العراق أو ملف آخر قد يكون أكثر تأثيرا على الامن في منطقة الشرق الأوسط هو الملف الإيراني و كيف ستعالجه الإدارة الأمريكية.
وسط كل هذه التطورات في الشرق الاوسط، فالاعين تترقب ماذا سيفعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب و ما سياسته للأربع سنوات المقبلة، الظاهر أن الرئيس الأمريكي مشغول في بداياته بالوضع الداخلي بالولايات المتحدة الأمريكية فأغلب الفرامين أو القرارات الرئاسية جلها يرتبط بشكل مباشر او غير مباشر بالوضع الداخلي الأمريكي، فحتى الانسحاب من اتفاقية المناخ أو منظمة الصحة العالمية فهو محكوم بارهاصات أمريكية داخلية و بسياسة واشنطن في مجالي الصحة و الإقتصاد.
عيون الشرق اليوم تترقب ما سيفعله الرئيس الأمريكي و ماخططه المستقبلية لمنطقة ترزخ تحت توترات كبيرة و يمكن أن تفلت في أي لحظة باتجاه وضع أمني خطير لا يقل عن الحرب،والكل مجمع على أن ترامب هو رجل صفقات، أما القارئ في سلوكيات التجار فيمكن أن تكون الصفقات قوة ناعمة من خلال الامتيازات الإقتصادية لتحقيق مكاسب في الاقتصاد و في السياسة كذلك، و قد تتحول الصفقات في حالات إلى قوة صلبة لا يقل فتكها و آثارها التدميرية عن أثار الحروب-سياسة النفط مقابل الغذاء في العراق و التي أدت في الأخير إلى تدمير العراق قبل احتلاله- فما هي طبيعة الصفقات الترامبية المنتظرة، يبدو أن المرحلة الأمريكية المقلبة ستحول الإقتصاد إلى قوة امريكية صلبة تمظهرت اول إرهاصتها في فرض ضرائب جمركية بنسبة زيادة تصل إلى 25% على كولوميبا لرفضها قرارا أمريكيا بإرسال مهاجرين غير شرعيين إليها، هذا السلوك أي قوة صلبة عنوانها الإقتصاد سيكون أساس المرحلة المقبلة في السياسة الامريكية و ستوضع الخيارات العسكرية على الرف إلى وقت غير معلوم.
أين يمكن إذا أن تتجلى هذه التحركات، قد يكون الملف الفلسطيني حاضرا بشكل كبير في هذه المعادلة الأمريكية الجديدة،فاحدى أولويات الإدارة الأمريكية هي الدفع بالاتفاق الإبراهيمي(اتفاق التطبيع مع إسرئيل)، و ضمان تحرك أكبر لاسرئيل لاقتطاع مزيد من المساحات على حساب أراضي السلطة الفلسطينية، و في هذا الشق سترسم سياسات أمريكية إسرائيلية تنبني على تهجير جزء من سكان القطاع و الضفة و الغربية، و لم تكن إشارات البيت الابيض لمصر و الأردن إلا خطوة باتجاه التهجير، و لحد الساعة هناك مواقف رافضة من القاهرة وعمان لاستقبال فسلطيني غزة.
فهل ستتدخل العصا الأمريكية بوقف المساعدات عن مصر و الأردن الامر قد يكون واردا و بشكل كبير و بدأ جزء من تجلياته على الأقل يظهر في الأردن بوقف المساعدات و إجرءات مالية أخرى، و التحدي المطروح هو مدى إمكانية مقاومة مصر و الإردن وبقية الدول العربية لهذا المخطط،فسياسة العصا و الجزرة ستكون هي محور التحرك الأمريكي.
شق مهم قد يعيد جزء من التوازن لأي قرار بشهذا الشان هو مسألة الصمود الفلسطيني و مقاومته الداخلية لأي سياسة التهجير أو سياسة فرض أمر الواقع، و هذا الأمر قد يعيد فتح مواجهات سواء في بعدها العسكري و هذا مرجح بشكل كبير إذا فشل وقف إطلاق النار، أو عبر انتفاضة جديدة قد تطال كل الأراضي الفلسطينية، و قد تلقي بتداعياته على الشارع في المنطقة و الوطن العربي،
لهذا سيناريو إعادة بناء خريطة جغرافية سياسية و امنية جديدة للوضع الفلسطيني قد يكون مقدمة اأساسية ومهمة للدفع بالاتفاق الابراهيمي،كيف ومتى قد يكون هذا السؤال الاكبر على الادارة الأمريكية و الإسرائيلية و ينبي على أساس الإنخراط في الصفقة مقابل امتيازات، و قد يكون المطلوب أمريكيا بالدرجة الأولى وحتى عربيا من الجانب الاسرئيلي اتخاذ خطوات إزاء السلطة الفلسطينية في المجالات المدنية والأمنية،و سيشكل هذا نقطة ارتكاز أساسية لاشراك السعودية ودول عربية أخرى في الاتفاق الابراهيمي.
معالجة الوضع الفلسطيني بمنطق ضمن دائرة التنازلات و التنازلات المقابلة قد يكون لها دور كبير في إعادة جزء من الهدوء إلى منطقة الشرق الأوسط وقد يسهم الوضع السوري الجديد في ذلك، و ما هو ملاحظ حتى اللحظة أن هناك قبولا للإدارة السورية الجديدة و حتى العصا الأمريكية أو ما اصطلحنا بالقوة الصلبة الامريكية في الاقتصاد بدأت تخف على دمشق و هناك نوع من الإجماع العربي و بالتحديد في دول الخليج لاحداث مظلة دعم سياسية و اقتصادية لحكومة اأحمد الشرع و تثبيتها ضمن المحور العربي دون إغفال للدور التركي في سوريا و الذي يحمل الكثير من التقاطعات المشتركة مع دول المنطقة في مواجهة ما يمكن ان يفرض عليها من تحديات إقليمية.
تبقى هذه التطورات و المنطقة في انتظار المعالجة الأمريكية للملف الإيراني و هناك نقطة اشتراك مع دول عربية في الحد من نفوذ طهران، لكن لا أحد يرغب في اندلاع حرب عنوانها إيران في المنطقة، و تحضر في هذا المجال بشكل كبير قوة واشنطن الصلبة أي العقوبات الإقتصادية في ترويض المارد الإيراني، و قد يلجأ الإيراني إلى خلط أوراق في الداخل و المنطقة لتفادي أو على الأقل الحد من الضغوط الأمريكية خلال الأربع سنوات من ولاية ترامب، فلحد الساعة و إن كثر الحديث عن المفاوضات بين طهران و واشنطن فلاتزال سياسة البيت البيضاوي حتى اللحظة غير واضحة، و إذا ما انطلقت المفاوضات فإن نتيجتها غير محسومة و ترتبط بتنازلات الاطراف و ما يمكن ان تقدمه
منطقة الشرق الأوسط إذا ليست إلا عبارة عن بؤرة خامدة قد تتحول إلى بركان مشتعل في أي لحظة، و تبقى تحديات هذه المنطقة تتنظر ما يمكن ان تحمله الإدارة الأمريكية الجديدة و مدى قدرتها على حلها، أم أن الإربع سنوات ستمر و ستبقى هذه المشكلة المزمنة صامدة إلى ان تنفجر يوما حربا لا قبل للمنطقة بها.