بينما تتسارع وتيرة البحث عن مغاربة يقودون خلية متهمة بارتكاب هجمات إرهابية في إسبانيا، يتوجه الاهتمامإالى مئات “الجهاديين” العائدين عبر مضيق جبل طارق لما يشكلونه، وسط مخاوف أجهزة الاستخبارات من تهديدات كبيرة ودائمة على أعتاب القارة الأوربية. فقد تم تهريب نحو 1000 جهادي من ساحات معارك الخلافة المتهاوية للدولة الإسلامية في اتجاه المغرب وتونس. ويُعتقد أن 300 منهم عادوا إلى المغرب الذي ينتمي إليه 12 ممن نفذوا هجمات برشلونة.
واستنادا إلى ما قاله أحد المسؤولين السابقين عن العمليات الخارجية للتنظيم المتطرف، فإن بعض العائدين من مقاتلي داعش “كانوا من الهاربين من التهميش وحياة اللصوصية الصغيرة التي عانوها وأزّمت أوضاعهم في أوربا، وفرنسا على الخصوص”.
ففي أوج قوة داعش، يُعتقد أن نحو 1600 مغربي توجهوا إلى العراق وسوريا ما حوّلهم ، قياسا بعدد السكان، إلى أكبر مجموعة وطنية في صفوف “الخلافة” المنهارة. ورغم أن نصفهم لاقوا حتفهم، فإن شمال إفريقيا، التي أعتبرت أكبر منطقة لتفريخ الإرهابيين تثير الآن مزيدا من المخاوف، باعتبارها منصة للهجوم على أوربا للانتقام من خسائر داعش للأرض والرجال.
ويقول القائد الداعشي، الذي تخلى عن دوره داخل التنظيم في 2015، إنه قام بتوجيه ستة مغاربة ممن تركوا خلفيات الغبن في فرنسا بحثا عن إحساس بمعنى الحياة تحت حكم داعش. كما عمل هذا المسئول السابق في التنظيم مع آخرين توجهوا مباشرة من المغرب إلى مواقع داعش بعد أن شُحنوا براديكالية داعشية قبل وصولهم. وأضاف أنه “كانت للمستزرَعين في أوطانهم مقاربة عنيفة، بينما كان القادمون من فرنسا مستائين من حياتهم هناك، وقد أخبرني أحدهم أنه كان يبيع المخدرات، بينما قال آخر إنه كان لصا.. إنهم كانوا يبحثون عن شيء آخر، وكانوا يؤمنون بقوة أنهم لا ينتمون إلى هناك”.
إن الإحساس بصراع الطبقات في مجتمعات لا ترحب بهم كان أحد القناعات المشتركة بين الرجال والأطفال الذين سافروا من شمالإففريقيا للالتحاق بداعش. وقد شكل التونسيون، الذين بلغ عددهم نحو 1800 رجل وقاصر، أكبر قوة مقاتلة في صفوف داعش عندما تم استخدامهم كانتحاريين في الهجوم على كوباني أواخر 2014 وفي المحاولة الفاشلة للحفاظ على الموصل في هذا الصيف.
وبعدما تبخر حلم اليوتوبيا التي وعد بها أبوبكر البغدادي في 2014، تاركا مكانه لواقع طبعته قسوة الحروب المتصلة والخسارات، بدأ مقاتلو داعش المغاربة الاتصال بعائلاتهم بحثا عن طرق للعودة، ما مكن عدة مئات من العودة عبر الحدود التركية. ورغم أن المئات وجودوا طريقهم إلى الديار فإن نحو 30 منهم تم احتجازهم من قبَل السلطات التركية.
وتُظهر الأرقام أن المغاربة الذين قاتلوا في العراق لم يكونوا إلا أقلية مقارنة بالأغلبية التي أرسلت إلى ميادين الحروب في شمال سوريا، حيث لقي آلاف المقاتلين الأجانب حتفهم في هجمات غير مجدية ضد المجموعات الكردية التي تدعمها أمريكا. وفي هذا السياق، يقول القائد الداعشي السابق: “كنا نرسل مئات الأشخاص إلى حتفهم، مع علمنا بأنهم سيموتون.. كنت أسأل عما حدث لفلان أو فلان وكانت الإجابة دائما أنه قتل مباشرة بعد ذهابه إلى ساحة المعركة.. ذات مرة، أرسلت فرقة تركية قوامها مائة شخص لقتال الأكراد، ولكن لم يعد منهم إلا ثلاثة فقط. وعندما رأى المغاربة ما رأيناه جميعا، لم يعودوا راغبين في البقاء باستثناء الأكثر تشددا”.
في الرباط يقول المسؤولون إنهم يفهمون طبيعة ونفسية من ذهبوا للقتال وعادوا. وحسب التقديرات، فقد تم احتجاز نحو 90 جهاديا من العائدين من العراق وسوريا، بينما تمكن بعضهم من “الذوبان” في مدن وقرى المملكة. وتقول السلطات المغربية إنها تمكنت من إحباط هجمات إرهابية كبرى في الدار البيضاء والرباط، إلا أنها لا تملك وسائل كافية لمنع مواطنيهم من تنفيذ عمليات خارج المملكة، رغم أن قرب المغرب من إسبانيا ووجود كثير من المهاجرين هناك ظل دائما مصدر قلق بالغ.
-عن “غارديان” البريطانية