الرباط-عماد مجدوبي
في مشهد يتكرر كل عام، ومع اقتراب عيد الأضحى، تتحول الأسواق المغربية إلى ساحة تغلي بالمشتريات، حيث يتهافت المواطنون بلهفة غير مسبوقة على اقتناء اللحوم وأحشاء الخرفان، حتى لو كان ذلك بأسعار مضاعفة أو بجودة مشكوك فيها.
هذا العام، يكتسي هذا التهافت طابعا أكثر إثارة للتساؤل، بعد القرار الملكي الأخير بإلغاء ذبح أضحية العيد، وهو القرار الذي كان من المفترض أن يرفع الحرج عن الكثير من الأسر، ويخفف عنها عبء التكاليف والاستعدادات، وأن نمنح لقطيعنا فرصة إعادة التكوين حتى يكون جاهزا للأعياد المقبلة، بدل تقديم “قربانا” لأنانية البعض.
لقد جاء القرار الملكي، المتسم بالحكمة وبعد النظر، ليتجاوب مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها العديد من الأسر المغربية، ومع التحديات المرتبطة بالجفاف وارتفاع أسعار المواشي. كان الهدف واضحًا: تخفيف العبء المادي والاجتماعي عن كاهل المواطنين، وإتاحة الفرصة لمن لا يستطيع تحمل نفقات الأضحية لتنفس الصعداء دون الشعور بالتقصير أو الحرج الاجتماعي، مع تفادي الضرر الكبير الذي سيلحق بالماشية في حالة إقامة هذه الشعيرة.
لكن ما نرصده على أرض الواقع، يناقض روح القرار الملكي بشكل صارخ، فبدلًا من أن يهدأ السوق وتتراجع حدة الطلب على اللحوم، نرى تهافتًا محمومًا، وكأن التضحية بالخروف لم تُلغى، بل تحولت إلى صيغ أخرى من الاستهلاك، بشكل جعل أسعار “الدوارة” تقفز من حوالي 300 درهم إلى أكثر من 600 درهم. بل إن بعض أصحاب الجزارة استغلوا الفرصة لتقديم “عروض” تناسب بعض فئات “الملهوطين”: “باك بـ1000 درهم” عبارة عن خروف مقطع.
يشير هذا التهافت إلى عدة ظواهر تستحق التحليل:
– ضغط العادات والتقاليد: على الرغم من رفع الحرج الشرعي والاجتماعي، إلا أن قوة العادة والتقاليد تبقى راسخة في الوعي الجمعي. ففكرة “عيد بلا لحم” أو “عيد بلا دوارة” قد تبدو للكثيرين منقوصة أو غير مكتملة، حتى لو كان ذلك على حساب الميزانية أو الراحة. يعتبر الكثيرون أن تناول اللحم في العيد جزء لا يتجزأ من الطقوس الاحتفالية، التي ترسخت عبر الأجيال.
– الخلط بين المفهوم الشرعي والاجتماعي: يخلط البعض بين الجانب الشرعي للتضحية (الذي رفع عنه الحرج) والجانب الاجتماعي المرتبط بمظاهر العيد وتبادل الأطعمة. بالنسبة لهؤلاء، لا يزال العيد يعني وجود اللحم على المائدة، بغض النظر عن مصدره.
– التأثر بالضغط الاجتماعي غير المباشر: حتى مع غياب الضغط المباشر لامتلاك أضحية، قد يظل هناك نوع من الضغط الاجتماعي غير المباشر، حيث يحرص البعض على تقديم اللحم لضيوفهم أو لأفراد أسرهم كجزء من الاحتفال، خوفًا من الشعور بالنقص مقارنة بالآخرين.
في الختام، تبقى “غزوة الدوارة” ظاهرة تستحق التأمل. فهي ليست مجرد رغبة في “التهام” اللحوم، بل هي انعكاس لتداخل العادات والتقاليد، وتكشف عن صعوبة تغيير أنماط سلوكية متجذرة في المجتمع، حتى عندما يكون الهدف هو تحقيق مصلحة العامة للوطن والمواطنين، ورفع العبء عنه، بقرار ملكي حكيم رفع الحرج ومهد الطريق لبرنامج كبير لإعادة تكوين القطيع الوطني.