الرباط-أسامة بلفقير
يمثل فاتح ماي من كل عام محطة أساسية في تاريخ الحركة النقابية المغربية والعالمية، يومًا للاحتفاء بإنجازات الطبقة العاملة وتجديد المطالب والتأكيد على الحقوق.
في المغرب، يكتسي هذا اليوم دلالات خاصة، فهو ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل مناسبة سنوية تعكس حيوية النقابات وتفاعلها مع القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تشهدها البلاد.
تاريخيًا، لعبت النقابات المغربية دورًا محوريًا في النضال من أجل الاستقلال وتحسين ظروف العمل. فمنذ بدايات القرن العشرين، كانت التنظيمات العمالية حاضرة في المطالبة بالحقوق الأساسية، ومقاومة الاستعمار، والمساهمة في بناء الدولة الوطنية بعد الاستقلال. وقد شهدت فترات المد والجزر، عرفت خلالها قوة وتأثيرًا متفاوتين، لكنها ظلت دائمًا صوتًا للعمال ودافعًا عن مصالحهم.
يحل فاتح ماي على النقابات المغربية هذه السنة في سياق إقليمي ودولي متسارع التغير، وفي ظل تحديات داخلية متزايدة. على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، لا تزال قضايا مثل البطالة، وهشاشة سوق العمل، وتفاوت الدخول، والحماية الاجتماعية، تشكل أولويات ملحة. وتواجه النقابات ضغوطًا متزايدة في ظل التحولات الاقتصادية الليبرالية وتراجع دور الدولة في بعض القطاعات.
في هذا الإطار، يتخذ احتفال فاتح ماي هذا العام أبعادًا متعددة. فهو أولًا، مناسبة لاستعراض قوة الحركة النقابية وقدرتها على التعبئة. المسيرات والاحتجاجات والبيانات التي تصدرها مختلف المركزيات النقابية (الاتحاد المغربي للشغل، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، الفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب…) تعكس تنوع المشهد النقابي المغربي واختلاف أولوياته، لكنها تتفق في جوهرها على ضرورة تحسين أوضاع العمال والدفاع عن حقوقهم.
يمثل فاتح ماي فرصة لتوجيه رسائل واضحة إلى الحكومة وأرباب العمل. تتضمن هذه الرسائل عادة مطالب محددة تتعلق برفع الأجور، وتوسيع التغطية الصحية والاجتماعية، وتفعيل الحوار الاجتماعي الجاد والمثمر، ومحاربة اقتصاد الريع والفساد الذي يؤثر سلبًا على فرص العمل والتنمية. كما يتم التأكيد على ضرورة احترام الحريات النقابية وتوفير بيئة عمل آمنة وعادلة.
إلا أن المشهد النقابي المغربي يواجه أيضًا بعض الانتقادات والتحديات الداخلية. غالبًا ما يُنظر إلى تعدد المركزيات النقابية على أنه نقطة ضعف تحد من قدرتها التفاوضية وتأثيرها. كما أن نسبة المنخرطين في النقابات لا تزال محدودة مقارنة بحجم القوى العاملة، مما يطرح تساؤلات حول مدى تمثيلية هذه التنظيمات. بالإضافة إلى ذلك، يرى البعض أن أداء النقابات في بعض الملفات لم يكن بالمستوى المطلوب، خاصة في ظل استمرار بعض المشاكل الهيكلية في سوق العمل.
كما يبرز النقاش حول ضرورة تجديد آليات العمل النقابي، واستقطاب الشباب وتشبيب القيادات، وتعزيز الوحدة والتنسيق بين مختلف التنظيمات النقابية من أجل تحقيق تأثير أكبر.