أسامة بلفقير – الرباط
تحول رفض السلطات القنصلية الفرنسية منح تأشيرات “شنغن” للمواطنين المغاربة إلى أزمة تلاحق باريس، في غياب أي معطيات دقيقة أو موقف رسمي يبرر الرفض، لاسيما وأن ملفات مدعومة بجميع الوثائق قد تم رفضها، بما في ذلك لرجال أعمال.
وتتحدث مصادر عليمة أن وجود عمليات نصب تستهدف المتقدمين بملفاتهم، من خلال إمساكها من طرف الشركة المفوض لها القيام بالعملية، مع استخلاص جميع المصاريف التي تتجاوز 1000 درهم، قبل أن يتم الرفض من دون مبرر معقول دون إمكانية استرجاع تلك الوثائق.
ووفق الأرقام التي نشرتها وزارة الخارجية الفرنسية فقد تم السنة الماضية منح حوالي 69 ألف تأشيرة للمغاربة، مقابل أكثر من 90 ألفًا عام 2020.
والراجح، حسب محللين، هو أن المشكل فرنسي-فرنسي، بسبب مواقف سياسوية لها علاقة بالانتخابات، وبعيدة كل البعد عن التعاون المغربي في مجال الهجرة والذي يضرب به المثل داخل المنظومة الأوروبية.
عموما، لا يمكن الجزم بوجود توتر دبلوماسي بين البلدين يتم تصريفه من خلال إجراءات تشديد مسجرة منح التأشيرات للمغاربة، لكن الواضح أن باريس لا تنظر بعين الرضى إلى التطور الذي شهده المغرب وحرصه على تنويع دائرة شركائه في مختلف في المجالات.
أولا، وفيما يتعلق بملف الهجرة، تدعي فرنسا عدم وجود تعاون كاف من المغرب لاسيما في موضوع إعادة القاصرين غير المرافقين. هذا الموضوع سبق أن كان محور اجتماعات ماراتونية، لكنها لم تخرج بنتائج ملموسة.
من جهة، هناك حاجة ماسة وملحة وضرورية لتحديد هوية أي شخص قبل المرور إلى مسطرة الترحيل. كما أن هذه العملية تستلزم، أول وقبل كل شيء، احترام المصلحة الفضلى للطفل، وهو بند منصوص عليه في الاتفاقية الدولية والأوروبية الخاصة بحقوق الطفل.
ثالثا، لابد من التنبيه لمسألة مهمة جدا وهي مسؤولية فرنسا كدولة على المسارات التي أخذها عدد من الأطفال القاصرين. هذه المسارات جعلت هؤلاء رهينة عصابات قامت باستغلالهم ودفعت بعدد منهم نحو مسارات الإجرام والانحراف.
وهذا يعني أن السلطات الفرنسية لها مسؤولية كبيرة في هذا الواقع الجديد. فبدل أن توفر العيش الكريم والتمدرس وتمتيع هؤلاء الأطفال بمختلف الحقوق المنصوص عليها دوليا، فإن المقاربة الأمنية التي اعتمدتها في هذا الملف جعلت عددا منهم ينفلتون نحو عوالم غير سليمة.
أما على المستوى الدبلوماسي، فيلاحظ أن السلطات الفرنسية تحاول الكيل بمكيالين. فمن جهة تعتبر المغرب شريكا استراتيجيا وأساسيا، حيث تحظى الشركات الفرنسية بالدعم والتسهيلات القانونية اللازمة من أجل الاستثمار، لكن في المقابل تتعامل باريس ببرود كبير عندما يتعلق الأمر بمصالح المغرب.
لا يمكن اليوم استعمال ورقة التعاون في مجال الهجرة من أجل حرمان أفراد نفس العائلة من الزيارات، والتسبب في تشتيت عائلات بأكملها وضرب مصالح مستثمرين مغاربة انطلاقا من رؤية استعمارية لمسألة التعاون.
إن تعاون المغرب في مجال الهجرة لا يمكن أن يناقش، بل إنه يقدم كنموذج في قوة هذا التعاون مع الاتحاد الأوروبي، وخير دليل على ذلك هو سياسة الهجرة الإرادية التي سبق أن أطلقها ومكنت من إدماج عشرات الآلاف من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، والذين كانوا يفترض أن يصلوا إلى فرنسا وغيرها مادام أن فكرة الانطلاق لم تكن تضع المغرب كبلد للاستقرار.