24 ساعة – متابعة
لم تقتصر تداعيات فيروس كورونا على النيل من أعتى الاقتصادات العالمية، بل كان من آثاره أن أحدث رجة في السلوكيات وأفرز تغييرات شتى في أنماط العيش، وطالت آثاره، في وقت ليس بالطويل، عادات ألفها ملايين الناس وصارت من صميم معيشهم.
ولم يكن المغرب بمنأى عن هذه التغيرات التي فرضتها الجائحة، ففي أقاليمه الجنوبية، حيث يتسم المعيش اليومي بالتآخي وبدفء الوشائج الإنسانية، لم تسلم بعض الطقوس التي استطاعت الصمود أمام مستجدات العصرنة، من تداعيات الجائحة، على الأقل مؤقتا.
وهكذا تأثرت طقوس إعداد الشاي بقدر تأثرت طقوس تناوله. فالشاي، في عموم ربوع الصحراء المغربية، ليس مشروبا عاديا، بل هو فن عيش وراءه تاريخ تليد فريد.
فمن النادر أن يمر المرء بمنزل مغاربة من أصل صحراوي بحاضرة الجنوب، ليلا أو حتى قبل ذلك حين تهب نسائم المساء عليلة بعد يوم قائظ، دون أن يصادف أسرا تحلقت في لحظة استرخاء واستجمام حول كؤوس شاي، تتجاذب أطراف الحديث حول ما يعرض لها، أو تناقش ما يستجد من قضايا الساعة.
وللشاي أيضا حضوره الثابت في كل حفلة وكل لحظة استجمام، ومن المستحيل تصور مثل هذه الحفلات وهذه اللحظات بدونه، إذ بات ركنا ركينا وجزءا لا يتجزأ منها.
يُرتشف الشاي عدة مرات في اليوم وإليه ينسب الصحراويون مزايا عدة من قبيل المساعدة على الهضم وتخفيف الظمأ ومحاربة عوامل الشيخوخة وأمراض القلب والشرايين. ولدى بعض الأشخاص قناعة يأن الشاي ولحم الإبل من أسباب الصحة الجيدة التي ينعم بها السكان المحليون.
وللشاي أيضا صلة وطيدة بالترحاب وحسن الوفادة. ولهذا الاعتبار، لا يُنظر بعين الرضا إلى رفض دعوة من أحدهم إلى ارتشاف كأس شاي.
لكن منذ بداية تفشي الجائحة تغيرت الأمور كثيرا، فكان تأثير الفيروس على سلسلة استهلاك وتسويق الشاي جليا في جميع أنحاء حاضرة الجنوب.
صحيح أن الحجر أتاح للعائلات قضاء وقت أكبر سويا، لكن منع التجمعات تحت الخيام أو بين الجيران أثر على استهلاك الشاي.
وفي هذا الصدد، يؤكد آيت مبارك، بائع الشاي الذائع الصيت بالعيون الذي كان الإقبال على محله كثيفا في الأوقات العادية وكانت تجارته في أوجها، تراجع المبيعات تحت وقع الجائعة وتداعياتها.
يقول هذا الخمسيني، الذي قضى 35 سنة من عمره في تجارة الشاي “أكيد أن رقم المعاملات تقلص منذ بداية تفشي الجائحة في مارس المنصرم”.
كما أرخى تقييد التنقلات بين المدن، الذي فرضته السلطات للحيلولة دون تفشي فيروس كورونا، بتأثيراته على تجارة الشاي وتسويقه، بالنظر إلى أن مكانة الشاي الصحراوي تتخطى جنوب المملكة. فلا يُتصور أن يزور أحد مدينتي العيون أو الداخلة، أو يسافر أحد من قاطني الصحراء إلى باقي ربوع المملكة، دون أن يصطحب معه كمية هامة من الشاي هدية للعائلة ولمن يزور.
يؤكد امبارك أنه ينتظر بفارغ الصبر رفع حالة الطوارئ الصحية لتدارك الوقت الضائع واستئناف الحياة العادية، مبديا أمله في “عودة الأمور والأنشطة إلى وضعها الطبيعي وتجديد ساكنة العيون العهد مع عاداتها وطقوسها الراسخة”.