24 ساعة- متابعة
الملك الحكيم، الملك الفيلسوف، الملك باني المغرب الحديث، مبدع المسيرة الخضراء، سابق زمانه ، كلها صفات و ألقاب عرف بها الملك الراحل الحسن الثاني، الذي غادرنا منذ 24 سنة بعدما حكم المغرب لقرابة أربعة عقود.
ولد الحسن الثاني بالرباط سنة 1929، ودخل منذ طفولته الحياة السياسية، حيث رافق والده الملك الراحل محمد الخامس في أنشطة سياسية عديدة أبرزها مؤتمر أنفا المنعقد سنة 1943،بحضور شخصيات عالمية، هو يبلغ14 سنة فقط.
تولى الحسن الثاني الحكم، سنة 1961 بعد وفاة والده الملك محمد الخامس، ليستكمل ما بدأه والده من مسيرة الاصلاح بعد العودة من المتفى ثم الحصول على الاستقلال.
الملك الحكيم ومحرر البلاد
كان الملك الراحل الحسن الثاني يعرف بالحكمة وبعد النظر، ولعل ملحمة المسيرة الخضراء شاهدة على دلك، هي ملحمة مكنت المغرب من استكمال وحدته الترابية، حيث لبى مئات الآلاف من المغاربة نداء ملكهم، نداء الحسم الدي ناداهم بلسان الصحراء المغربية، ليصنعو بفضل دهاء ملكهم ملحمة لازال يتكلم عنها العالم.
ارتبط اسم الحسن الثاني بواحد من أكبر المساجد في العالم، حيث تعهد الملك الراحل بإقامة مسجد كبير على الماء انطلاقا من الآية القرآنية “وكان عرشه على الماء”، إذ يعتبر المسجد اليوم واحد من التحف التي يشتهر بها المغرب عامة والدار البيضاء خاصة ويعد مزارا لآلاف السياح من مختلف أنحاء العالم.
عرف الحسن الثاني بخطاباته بدون ورقة، حيث تعتبر تلك الخطابات بمثابة دروس مفتوحة ومجانية تحتوى على أقوال خلدها التاريخ. والحقيقة أن الملك الراحل لم يكن فقط وراء وضع سياسة تنموية ترتكز على مؤسسات قوية وعصرية وصانع السلم الاجتماعي بالمغرب، بل كان أيضا القائد المحنك الذي استطاع أن يقود بنجاح الأمة في كفاحها السلمي لاستكمال وحدتها الترابية وضمان سيادتها.
وقد تمكنت هذه المسيرة من تحقيق أهدافها في زمن قياسي بفضل التعبئة العامة للشعب المغربي الذي استجاب بعفوية وإقبال مكثف لـ “نداء الملك الحسن”، مبرهنا للعالم أجمع على أنه جدير بملك فذ من طينة الحسن الثاني الذي جعل المملكة تحقق قفزة نوعية في درب الديمقراطية والتنمية الاقتصادية، بوأتها مكانة متميزة في محيطها الجغرافي وعلى المستويين الإقليمي والعالمي.
الملك الحسن الثاني : السياسي المحنك
وبمثل ما كان المغفور له قائدا سياسيا محنكا استطاع أن يرسي أسس الدولة المغربية الحديثة، فإنه كان كذلك رمزا دينيا، وقائدا روحيا، وأميرا للمؤمنين يزكيه نسبه الشريف إلى البيت العلوي، وسعة اطلاعه على أصول الدين الإسلامي ومصادره وعلومه، حيث كان له الفضل في إحياء مجموعة من السنن الحميدة التي دأب عليها المسلمون، ومنها على وجه الخصوص الدروس الحسنية، التي كانت ولا تزال محجا لأقطاب الفكر الإسلامي من جميع الآفاق، ومن كل المشارب، ومناسبة للحوار بين المذاهب الإسلامية، ودعمه لبناء المساجد بكل أنحاء العالم، وخاصة في إفريقيا.
كانت جنازة الراحل، الذي غادرنا سنة 1999 ، شاهدة على قيمة الرجل، جنازة سار فيها المشيعون، وعلى رأسهم مُمثلي كثر من 70 وفداً لدول مُختلفة، وثلاثون زعيم عالمي، لثلاث كيلومترات، إلى أن وصل جُثمان الراحل الحسن الثاني إلى مثواه الأخير، قبل أن يودع المغاربة إلى الأبد، جسدا لا روحا، حيث لايزال يعيش بيننا بإنجازاته ومواقفه الخالدة.