24 ساعة ـ عبد الرحيم زياد
تشهد العلاقات بين إسبانيا والولايات المتحدة حالة من التوتر المتزايد في ظل قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. التي أثارت قلق مدريد بشكل خاص فيما يتعلق بالمدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، وكذلك التحقيق الذي فتحته إدارته حول عراقيل مرور السفن في مضيق جبل طارق.
هذه التطورات تضع إسبانيا أمام تحديات استراتيجية وجيوسياسية معقدة، لا سيما أنها تكشف عن هشاشة موقفها في بعض القضايا الإقليمية أمام التحالفات الدولية.
سبتة ومليلية خارج نطاق حماية الناتو
أحد أبرز مصادر القلق الإسباني يكمن في أن مجال حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي تعتبر إسبانيا عضوًا نشطًا فيه، لا يشمل المدينتين سبتة ومليلية. هاتان المدينتان، الواقعتان على الساحل الشمالي للمغرب، تعتبران من الناحية القانونية جزءًا من الأراضي الإسبانية، لكنهما لا تدخلان ضمن نطاق الحماية العسكرية المباشرة للحلف بموجب معاهدة واشنطن التي أسست الناتو عام 1949. هذه المعاهدة تحدد التزامات الدفاع المشترك بين الأعضاء، لكنها تقتصر على الأراضي الأوروبية والأمريكية الشمالية، تاركةً شمال إفريقيا خارج نطاقها. هذا الوضع يجعل سبتة ومليلية عرضة للضغوط الخارجية دون ضمان تدخل حلفاء إسبانيا في حال تصاعد التوترات مع المغرب، الذي يطالب باستعادتهما منذ عقود.
التحقيق الأمريكي حول مضيق جبل طارق
في هذا السياق، يأتي قرار إدارة ترامب فتح تحقيق حول عراقيل مرور السفن. بين المغرب وإسبانيا في مضيق جبل طارق ليضيف بُعدًا جديدًا لهذه المخاوف. المضيق، الذي يعد أحد أهم الممرات البحرية في العالم، يربط بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي،
ويشكل نقطة استراتيجية حيوية للتجارة العالمية والأمن البحري. التحقيق الأمريكي، الذي أُعلن عنه في إطار استراتيجية أوسع لتقييم العوائق التي تواجه الشحن البحري في نقاط الملاحة العالمية، يشمل مضيق جبل طارق كواحد من سبعة ممرات رئيسية.
هذا التحرك أثار تساؤلات في إسبانيا حول دوافع واشنطن، خاصة في ظل العلاقات القوية بين الولايات المتحدة والمغرب، والتي تعززت خلال ولاية ترامب الأولى مع الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية عام 2020.
مخاوف إسبانيا من التقارب الأمريكي-المغربي
الإسبان يخشون أن تكون هذه الخطوة جزءًا من سياسة أمريكية تهدف إلى تعزيز التعاون مع المغرب. على حساب مصالح مدريد. خاصة أن مضيق جبل طارق يمثل منطقة حساسة تشهد توترات متكررة بين إسبانيا والمغرب. إلى جانب الخلاف المستمر مع بريطانيا حول سيادة صخرة جبل طارق. التحقيق الأمريكي قد يسلط الضوء على قضايا مثل الازدحام البحري، المخاطر البيئية، والتوترات الجيوسياسية، مما قد يمنح المغرب ورقة ضغط إضافية في مواجهة إسبانيا. ومع وجود تقارير تشير إلى أن إدارة ترامب قد تكون مستعدة لدعم المغرب في نزاعاته الإقليمية. كما حدث سابقًا في قضية الصحراء المغربية يتفاقم شعور إسبانيا بالتهديد.
تباين الأولويات بين واشنطن ومدريد
إضافة إلى ذلك، يعكس هذا الوضع تباينًا في الأولويات بين واشنطن ومدريد. فبينما تسعى الولايات المتحدة إلى ضمان انسيابية التجارة العالمية. وتعزيز تحالفاتها الاستراتيجية في شمال إفريقيا، ترى إسبانيا. في هذه التحركات مخاطر على سيادتها ومصالحها في المنطقة. الإسبان يتخوفون من أن يؤدي أي تقارب أمريكي-مغربي إلى تشجيع الرباط على تصعيد مطالبها بسبتة ومليلية المحتلتين. خاصة في ظل غياب الحماية الكاملة من الناتو لهاتين المدينتين.
التحديات الاستراتيجية أمام إسبانيا
تُظهر قرارات إدارة ترامب، سواء في فتح تحقيق حول مضيق جبل طارق أو في تعزيز العلاقات مع المغرب، أن إسبانيا تواجه تحديات معقدة في الحفاظ على موقعها الاستراتيجي.
الوضع الحالي يضع مدريد في موقف دفاعي، حيث تسعى للحفاظ على سيادتها على سبتة ومليلية. وتأمين مصالحها في مضيق جبل طارق، في وقت تتزايد فيه الضغوط الخارجية والشكوك. حول مواقف حلفائها التقليديين.
هذا التوتر قد يفتح الباب أمام نقاشات دبلوماسية أعمق بين الأطراف المعنية. مع احتمال إعادة تقييم التوازنات الإقليمية في منطقة مضيق جبل طارق.