منذ ما يزيد عن العقدين من الزمن، تحولت التجربة المغربية في مجال التصدي للخطر الإرهابي إلى نموذج يحتذى به عبر العالم، تتقاطر عليه أقوى أجهزة الأمن عبر العالم لطلب خبرته وتعاونه.
استراتيجية المملكة في هذا المجال تقوم على محاور متعددة، على رأسها قوة أجهزته الاستخباراتية التي ساهمت في التصدي لعدد من المخططات ليس فقط داخل المملكة، بل على صعيد دول صديقة وشقيقة بفضل تعاون أمني منقطع النظير.
الحلقة الرابعة عشر:
منذ سنوات التحقت عدد من النساء بأزواجهن في معسكرات تنظيم القاعدة بأفغانستان وبعده معسكرات تنظيم داعش الارهابي، عاد بعض منهن رفقة أبنائهن، لكن استغلال النساء في النشاط الاجرامي لم يتوقف. وهو ما يؤكده توقيف عشر فتيات أغلبهن قاصرات اشتبه في تخطيطهن لتنفيذ عمليات انتحارية بأحزمة ناسفة فوق التراب الوطني.
ففي يوم الاثنين ثالث أكتوبر من سنة 2016, فوجىء الرأي العام المغربي ببلاغ لوزارة الداخلية تعلن فيه أن المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، تمكن من إحباط مشروع إدماج العنصر النسوي بالمغرب داخل المنظومة الإرهابية لما يسمى تنظيم “الدولة الإسلامية”، وذلك على خلفية تفكيك خلية تتكون من عشر فتيات مواليات لهذا التنظيم، ينشطن بمدن القنيطرة وطانطان وسيدي سليمان وسلا وطنجة وأولاد تايمة وزاكورة وسيدي الطيبي (نواحي القنيطرة).
بلاغ لوزارة الداخلية، أكد حينها أن هذه العملية أسفرت عن حجز مواد كيماوية يشتبه في استعمالها في صناعة المتفجرات لدى إحدى المشتبه فيهن، مضيفا أنه سيتم إخضاع هذه المواد للخبرة العلمية من طرف المصالح المختصة.
وأفادت التحريات الأولية، حسب البلاغ ذاته، بأن المشتبه فيهن اللواتي بايعن الأمير المزعوم لما يسمى ب”الدولة الإسلامية”، انخرطن في الأجندة الدموية لهذا التنظيم، وذلك من خلال سعيهن للحصول على مواد تدخل في صناعة العبوات الناسفة من أجل تنفيذ عمليات انتحارية ضد منشآت حيوية بالمملكة، أسوة بشقيق إحداهن الذي سبق ونفذ عملية مشابهة في العراق خلال مطلع السنة الجارية وكذا بنساء “داعشيات” قمن بعمليات انتحارية وهجمات نوعية بالعديد من الدول.
المشتبه فيهن، اللواتي تربط بعضهن علاقة قرابة بمقاتلين مغاربة بصفوف “الدولة الإسلامية” وبعض المناصرين لجماعات إسلامية متطرفة،حسب التحريات ذاتها, كن ينسقن، في إطار هذا المشروع التخريبي، مع عناصر ميدانية بوحدة العمليات الخارجية ل”داعش” بالساحة السورية العراقية، وكذا مع عناصر موالية لنفس التنظيم تنشط خارج منطقة تمركز هذا الأخير في العراق وسوريا.
و بالموازاة مع ذلك، تؤكد التحقيقات الامنية, أنه تم تكليف بعض عناصر هذه الخلية بمهمة تجنيد نساء بهدف تعزيز صفوف “داعش” بالساحة السورية العراقية، تماشيا مع استراتيجية التنظيم التي تهدف إلى توسيع دائرة الاستقطاب داخل مختلف الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية، لتعزيز دولة خلافته المزعومة، موظفا في ذلك تقاطع مشروعه هذا مع الخلفية الإيديولوجية للعديد من الجماعات الإسلامية التي شكلت دائما حاضنة أولية للعديد من العناصر المتورطة في قضايا متعلقة بالإرهاب.
بعد الاعلان عن تفكيك الخلية النسائية, كشف أن مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية الراحل عبد الحق الخيام، يوم الرابع من أكتوبر في ندوة صحافية ، أن الخلية الإرهابية المكونة من عشر نساء ,كانت تعتزم تنفيذ هجوم انتحاري يوم سابع أكتوبر أي بعد أيام قليلة من ايقافه أفرادها., وأن إحدى الفتيات المعتقلات كانت مستعدة لتنفيذ هجوم انتحاري بواسطة حزام ناسف”.
وتبين أن أغلب الفتيات الموقوفات هن قاصرات وعمر اثنتين منهن يتراوح ما بين 15 و16 سنة، فيما يبلغ عمر ثلاث أخريات 17 سنة “وكلهن بايعن ما يسمى الدولة الإسلامية”. كما أن الظنينات ” ربطن الاتصال مع عناصر نشيطة من داعش” عبر الأنترنيت حيث تم إخضاعهن لعملية غسل دماغ لدفعهن للقيام بأعمال تخريبية تستهدف “منشآت حساسة، ومواقعا سياحية بالأخص”.
هذه العملية الوقائية,حسب المسؤول الأمني, كشفت معطى جديدا باعتبار أنها المرة الأولى التي يتم فيها تفكيك خلية إرهابية مكونة من عناصر نسوية”. وشدد على أن ” الإرهابيين يستهدفون القاصرين، والإناث بالخصوص، وهو أمر مقلق لنا جميعا. إنه ناقوس خطر”، مشيرا إلى أن مصالح الأمن التي تظل على أهبة الاستعداد ، تتبنى في مجال محاربة الإرهاب سياسة تتغير وفق استراتيجيات المجموعات الإرهابية. كما أكد أن إحدى الموقوفات، التي تبلغ ال15 من العمر، أفادت بأنها عقدت زواجا افتراضيا مع أحد العناصر النشيطة ب”داعش” والذي أخضعها لعملية غسل دماغ لإعدادها للقيام بأعمال إرهابية .
ذلك ما أكد, حسب المسؤول ذاته, أن طبيعة الخطاب الإرهابي تغيرت، كما انتشر هذا الخطاب بشكل أكبر عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتكنولوجيات الجديدة موضحا أن ” المجموعات الإرهابية تستغل نقاط ضعفنا والمتمثلة في تراجع أدوار الأسرة والمدرسة والمجتمع المدني”.
للاشارة, سبق أن أشار تقرير أصدره معهد الحوار الاستراتيجي بلندن حول المقاتلات في صفوف تنظيم داعش، إلى وجود العديد من المقاتلات المغربيات اللائي خيّرن التحرك تحت لواء التنظيم لتثبيت أركانه.
في السياق ذاته، سبق أن فككت المصالح الأمنية المغربية أواخر سنة 2015 خلية إرهابية تجنّد النساء للالتحاق بصفوف داعش، وأكدت التحريات، حسب ما جاء في بيان وزارة الداخلية آنذاك، تورط عناصر نسائية في عمليات استقطاب متطوعات كان يتم شحنهن بالفكر “الجهادي” قبل إلحاقهن بصفوف التنظيم بهدف الزج بهن في عمليات انتحارية أو تزويجهن بمقاتلين. بل تم تشكيل كتيبة نسائية موالية للتنظيم أطلق عليها كتيبة الخنساء، تضم 200 مقاتلة وتقودها سيدة يطلق عليها أم المقداد، وتتبع مباشرة أبوبكر البغدادي.
كما أشارت تقارير إخبارية إلى أن معظم المقاتلات في كتيبة الخنساء من الانتحاريات، كما أن لها مهام الدعم اللوجستي ونقل الذخيرة والسلاح وأحيانا المشاركة في القتال.يوم
بعد الانتهاء من التحقيقات، أمر قاضي التحقيق المكلف بقضايا مكافحة الإرهاب بملحقة محكمة الاستئناف بسلا، بإيداع الفتيات العشر السجن المحلي بالعرجات بعد الاستماع إليهن في إطار التحقيق الابتدائي، وذلك للاشتباه بتورطهن في قضايا لها علاقة بالإرهاب .
ويم السبت 22 يوليوز 2017، أسدلت غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بقضايا مكافحة الإرهاب بملحقة محكمة الاستئناف بسلا الستار على محاكمتهن, ووزعت على القاصرات السبع، أحكاما تراوحت بين سنتين حبسا نافذتين وخمس سنوات سجنا نافذة، بحيث قضت في حق المتهمة الرئيسية بخمس سنوات سجنا نافذة، وبأربع سنوات حبسا نافذة في حق ثلاث منهن، وثلاث سنوات حبسا نافذة في حق متهمتين اثنتين، فيما أدانت المتهمة المتبقية بسنتين نافذتين. وذلك بعد ادانتهن من أجل “تكوين عصابة لإعداد وارتكاب أفعال إرهابية والإشادة بأفعال تكون جريمة إرهابية”.