24 ساعة – متابعة
لعل الصورة النمطية التي ساهمت في ترسيخها العديد من الأسباب، حول المرأة المغربية المغتربة التي اختارت بلد المهجر مستقرا معيشيا، صورة تطبعها السلبية، وتقديم المرأة المغربية في اتجاه يرسم الدونية والتقليل منها، وهذا ما يخالف الواقع، ويخالف ما وصلت إليه المغربية وما حققته، في شتى المجالات في مختلف بقاع العالم.
في هذه السلسلة التي اخترنا لها عنوانا بارزا “الهجرة..إسم مؤنث”، سنحاول سرد حكايات نساء مغربيات، تألقن وحققن إنجازات جديرة بالتنويه، وطبعن على مسارات مهنية متفردة، من خلال محاورة ضيفات مغربيات من أرض المهجر.
في هذه الحلقة، تستضيف سيدة قادمة من خلفية فنية، في رحلة من الدار البيضاء إلى مصر وصولا لكندا، فنانة وممثلة، حطت في مجال الأعمال في ميدان يتطلب الكثير من الحس الإبداعي، نزهة أنكيلة سيدة أعمال مغربية تستقر بكندا.
أولا لنتحدث في نبذة قصيرة عنكم من طفولة نزهة أنكيلة؟
نزهة انكيلة، مغربية، ابنة الدار البيضاء، وخريجة معهد الفنون المسرحية، اشتغلت في المسرح منذ صغري بداية بدور الشباب، بوشنتوف وسيدي معروف، وكذلك من خلال فرق مسرحية كفرقة حب الرمان، وفرقة المسرح الشعبي، لتتوالى بعدها مسيرتي على الخشبة، التي من الصعب أن أحصر كل التجارب التي مررت منها طيلة اشتغالي في الفن، لأنني اشتغلت كذلك في التلفزيون والدراما، وشاركت في عدة مسلسلات، وكان أول مسلسل عبارة عن بطولة مشتركة مع الفنان رشيد الوالي “ظلال الماضي” للمخرج محمد عاطفي، وجاورت فيه عدة أسماء، كسعيدة باعدي وغيرها من الأسماء المعروفة عند الجمهور المغربي، كما تحضرني كذلك تجربة مسلسل “ادريس الأكبر” الذي كان إنتاجا مغربيا مصريا مشتركا، بقيادة المخرج كمال كمال، وهو ما جعلني أفكر في الهجرة إلى القاهرة بلد السينما وقتها، وهو ما تم بالفعل حيث تمكنت من إتمام دراستي المتخصصة في المسرح والتمثيل على يد الفنان الكبير محمد صبحي، الذي جاورته في مسلسل “شملول” ، الذي شاركت في بطولة بعض حلقاته، باللهجة المغربية.
بعدها، وفي نهاية مسيرتي الفنية، مهرجان المسرح للجميع، وبعده مسرحية “لعبة الست”، التي عرضت لمدة سنتين، لأعود بعدها للمغرب.
كيف كان مساركم الدراسي وكيف وقع الاختيار على تخصصكم ؟
كما قلت، بعد توقفي عن التمثيل الذي أنا خريجة معاهده، وبعد صعوبة الولوج لمجالات مرتبطة بالسينما هنا بكندا، قررت دراسة التجميل المعمق، أي التجميل عن علم ودراسة، فحصلت على شهادة عليا متخصصة فيه، والدراسة بدورها لم تكن سهلة، بحكم أنني جاورت طلبة صغار السن، وبحكم اختلاف العادات والتقاليد، إضافة لمشكل اللغة الذي طرح لي مشكلة في البداية، بحكم أن دراستي ومساري كله كان باللغة العربية، لكن طموحي مكنني من تجاوز كل العراقيل، فكنت الأولى على دفعتي.
بعد ذلك تعمقت أكثر في المجال، من خلال تكوينات أخرى سواء التحضير الكيميائي لمستحضرات التجميل، أو عبر مسار جامعي كل هذا وأنا أم لها واجبات تجاه بيتها وأبنائها وزوجها، وأذكر أن ابني كان يرقد بالمستشفى، فكنت أقضي الليل معه، وأتوجه للدراسة صباحا، كانت مرحلة صعبة، لكن طموحي ولله الحمد كان اكبر، وتخللت الدراسة مجموعة من التدريبات من بينها على وجه الخصوص تدريب قضيته بإحدى كبريات المؤسسات المتخصصة في مراكز التجميل، وهنا لابد من الإشارة إلى فوائد عشقي وتخصصي الأول التمثيل والمسرح، لأنه مكنني من إتقان التعامل مع كل أصناف الناس، والمواقف، خصوصا انه يضاف إلى اشتغالي في المجال السياحي حين كنت ادرس بمصر، حيث نظمت رحلات سياحية برا من المغرب على مصر، وهو ما جعلني اندمج بسرعة داخل المؤسسة الشهيرة، لكن الهدف من التخصص كان منذ البداية أن أنطلق في مشروع خاص، ولأجل ذلك تابعت تكوينا خاصا في إدارة وإنشاء المقاولات، ففكرت في مشروع حمام مغربي، لكن حينها كان الأمر يتطلب رأسمال كبير، فغيرت الاتجاه نحو مواد التجميل المغربية، من منتجات طبيعية، كأركان والزيوت الطبيعية، ومن هنا كانت بداية مؤسسة Naturel Argania ” ، بدأت بكميات قليلة وبعدها توسعت، وشاركت في معارض كبيرة وضخمة من أجل الترويج لأركان، خصوصا أن “أركان” ليس بتلك الشهرة هنا بكندا مقارنة بأوروبا مثلا، فتطلب الأمر مني في البداية لعب دور سفيرة أركان بكندا، وهو ما مكنني من خلق قاعدة زبناء جيدة كنتيجة لبحثي عن تقديم أفضل ما يمكن، لأن الأمر متعلق بصورة بلدي المغرب، وبتراثه بالأساس، وهذا في نظري واجب على كل مواطن مغربي أينما كان وكيفما كان العمل الذي يشتغل به.
هل كانت الهجرة اختيارا أم محض صدفة؟
بعد زواجي وحملي بابنتي، لمدة سنة ونصف، ولظروف ما قررنا الذهاب لكندا، لكي يتمكن زوجي من مناقشة رسالة الدكتوراة، لكن الأمر تطور للاستقرار بكندا، وكل هذه الأمور جعلت الاستمرار في الميدان الفني أمر صعب، لأن المجال الفني مرتبط أساسا بالعلاقات في الوسط، فكان صعبا أن أعود بعد توقف، خصوصا أن المسرح في كندا لازال ضعيفا، وأيضا لنني لا أقبل أي دور يعرض علي لاسيما الأدوار التي تتنافى مع مبادئي، كأدوار الإغراء مثلا (وعلي سبيل المثال عرض علي في مصر المشاركة في ” النوم في العسل” مع عادل إمام ورفضت لأنه يتضمن مشاهد اعتبرها شخصيا مخلة ولا تناسبني، وطبعا هذا أمر وقناعة شخصية تعنيني لوحدي)، وأردت أن أحتفظ لنفسي بعلاقة نظيفة مع نفسي في المجال الفني، لأني مارسته بحب وليس بحثا عن المال أو الشهرة، لذلك بدأت أفكر حينها بدخول ميدان قريب من الفن، فكرت بداية في امتهان المونتاج السينمائي، ثم الماكياج السينمائي، لكن الأمر لم يكن سهلا هنا، لأنه ميدان مغلق ويصعب اختراقه بسهولة.
حدثينا عن الصعوبات التي واجهتموها والاندماج وصدام الثقافات؟ هل كان الاندماج في هذه المجتمعات سريع أم تطلب منكم بعض الوقت، وهل أفقدكم هذا الاندماج بعض الطبائع أو العادات المغربية؟
أعيش منذ 20 سنة بكندا، لكن قبلها هاجرت لمصر كما أسلفت الذكر، وهي البلد المسلم ، لكن رغم ذلك تحس ان هناك اختلاف، وهناك صعوبات، لن في نظري لكل شعب عاداته وخصوصياته وميزاته، وحين تصل لبلد اخر تحمل معك ثقافتك ومعتقداتك، وهنا تحدث الصدمة طبيعيا، وتحضرني هنا قصة أثناء الدراسة، حين كانت الأستاذة الكندية تحكي عن تجميل الموتى قبل حرقهم، شكل الأمر بالنسبة لي صدمة، لكن بعد ذلك بدأت أتفهم وأتعايش، لكن رغم ذلك هناك أمور تسكننا بحكم التربية والمجتمع، خصوصا أنني لازلت “بلدية” (تضحك..) فمطبخي لازال كمطبخ بالمغرب ستجد السمن ولمساخن وكل ما هو مغربي فانا تقليدية رغم أن ظاهري يبدو عصريا حداثيا، وأحاول أن أنشر الثقافة والتقاليد المغربية سواء لأبنائي او من خلال العمل الجمعوي، حيث أقيم تظاهرات في كل المناسبات الدينية، ونحاكي طريقة الاحتفال المغربية بحذافيرها.
نعم أبنائي ولدوا هنا وعاشوا هنا، لكن ولله الحمد أعتقد أنني نجحت في زرع “تامغرابيت” فيهم، فمثلا رمضان مقدس بالنسبة لهم بكل طقوسه، لدي ابنة تبلغ من العمر 20 وابن 14 سنة، لكن رغم ذلك اترك لهم هامشا للاندماج مع محيطهم، وصنع شخصياتهم المستقلة، لأن دور الآباء مهم جدا في هذا الباب، وهو توجيههم نحو أمور مفيدة، كممارسة الرياضة وأنشطة تصبح مع الوقت عشقا بالنسبة لهم، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنك ستظل مغربيا في دواخلك، والسر في أن نندمج ونتعايش مع الحفاظ على روحنا المغربية بكل إيجابياتها واكتساب ايجابيات الشعوب والثقافات الأخرى.
هل ستفكرون يوما ما، في العودة إلى المغرب وتقديم خبرتكم لوطنكم أم أن المغرب لا يضمن مستوى الاشتغال في ظروف يمكن أن تكون منتِجَة ؟
أعتقد أن أمر العودة صعب، لأنه للأسف هناك بيروقراطية كبيرة في الإدارات المغربية، وكذلك هناك انهيار تام للقيم في التعامل بين الناس، هذا أمر محزن ومؤسف للغاية، وهناك أيضا مستقبل الأبناء المرتبط بكندا حيث يدرسون ويخططون لمستقبلهم، نعم حاولنا الاستثمار في المغرب، من خلال مطعم ومقهى في تارودانت، ولكن للأسف تطلب المر 6 أشهر من الغياب فقط، لنجد كل شيء قد تم تخريبه وسرقته، هذه كلها أمور لا تشجع إطلاقا على العودة، وكأبسط مثال حتى تذاكر الخطوط الملكية المغربية باهظة جدا، وهناك عائلات لا تستطيع حتى زيارة المغرب، لأنها بالكاد تعيش، لأن الطموح غير مشاع بين الناس، وهناك من يستسلم ويفضل العيش على الإعانات.
هل نظرتكم للمغرب اليوم هي نفس النظرة أم أن الهجرة غيرت رؤيتكم؟
أعتقد أن المغرب ما شاء الله يتقدم وهناك تغير وتطور كبير في عدة مجالات كالبنية التحتية مثلا، ولكن في المقابل العديد من الأمور بالمغرب يجب الاشتغال عليها، أولها الأمن، فالخروج للشارع أصبح مغامرة غير محسوبة العواقب، فلن أنسى أبدا كيف تمت سرقة هاتفي والرعب الذي عشناه بسبب ذلك، كما أن الرشوة بل ثقافة الرشوة التي يساهم فيها الجميع الموظف والمواطن كذلك، ولا أعلم حقيقة لماذا لا يتم اللجوء لأساليب حديثة إلكترونية مثلا واضحة تؤدي فيها واجبك دون إعطاء فرصة للتفكير في تقديم مال من أجل تسريع أغراضك الإدارية، ولكن طبعا نتمنى أن نرى المغرب في مصاف الدول التي نعيش بها، ولا تفوتني هذه الفرصة دون أذكر لك فرحتنا بالقرار الأمريكي المتعلق بالصحراء المغربية، وأعتقد أن المغرب يملك كل شيء من اجل التقدم أكثر، نحو ذلك المغرب الجميل المتطور الذي نحلم به جميعا.