المهدي عربة
إنّ التمدّن والتحضّر ليسا مجرد مظاهر شكلية أو مقتنيات مادية، بل هما انعكاس لسلوك الإنسان ومدى تحلّيه بالقيم الراقية والآداب السامية في تعامله مع الآخرين.
وفي المقابل، فإن قلة التمدّن أو ما يصطلح عليه في المغرب بـ”الهرغاوة”، لا ترتبط بمستوى تعليمي أو بوضع مادي أو بانتماء اجتماعي، وإنما تنبع من غياب الذوق السليم، وانعدام اللباقة، وانتفاء احترام الآخر.
إنّ التمدّن ليس ترفًا يكتسب بالمال، ولا شهادة تُنال من الجامعات، وإنما هو سلوك يومي يعكس مدى رقيّ الإنسان في تعاملاته، سواء في الشارع أو في البيت أو في الأماكن العامة. فالتحضّر يُقاس بمدى احترام الإنسان لقواعد العيش المشترك، وقدرته على التعامل مع الآخرين بأدب وتقدير.
في المقابل، فإن قلة التمدّن أو “الهرغاوة” تظهر في تصرفات غير حضارية، كالصوت المرتفع بلا داعٍ، والسلوك العدواني في النقاشات، والافتقار إلى اللباقة في التعاملات، وإهمال النظافة العامة، وغيرها من الممارسات التي تعكس نقص الوعي الاجتماعي والثقافي.
قد يكون الإنسان بسيط التعليم، وربما لم ينل أي شهادة أكاديمية، لكنه يتحلّى برقيّ فطري يجعله محترماً في مجتمعه، بينما قد نجد شخصًا متعلّمًا يحمل أعلى الدرجات لكنه يتصرف بفظاظة تجعله أقرب إلى “الهرغاوة” منه إلى أهل التمدّن. وهذا يثبت أن التحضّر ليس نتاج التحصيل العلمي فحسب، بل هو نتاج التربية والأخلاق والوعي بقيم المجتمع المتحضّر.
ليس الغِنى دليلاً على الرقي، ولا الفقر دليلاً على “الهرغاوة”. فقد نجد أفرادًا من طبقات ميسورة لكنهم يفتقدون لأدنى مستويات الذوق العام، كما قد نجد أشخاصًا متواضعي الحال لكنهم يتحلّون بأخلاق عالية تجعلهم مثالاً للتمدّن. التحضّر لا يُشترى بالمال، بل يُكتسب بالتربية والتهذيب واحترام الذات والآخرين.
ليس هناك عذر لقلة التمدّن، ولا مبرر لممارسة “الهرغاوة”، لأنها ببساطة ليست مرتبطة بالمستوى العلمي أو المادي، بل هي انعكاس لتكوين الفرد ووعيه وثقافته. وبينما قد يتفاخر البعض بالمظاهر الفارغة، يظل التحضّر الحقيقي مرهونًا بسلوك الإنسان وأخلاقه، فهو ميزان الرقيّ في أي مجتمع.