نشر بشراكة مع DW العربية
تعتبر حركة المرور واستعمال المركبات بكل أنواعها، ثاني أكبر مسبب لتلوث الهواء بعد الانبعاثات التي تخلفها الأنشطة الصناعية. كما أنها تمثل ربع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية. إجراءات الحجر الصحي في مختلف أنحاء العالم على خلفية جائحة كورونا، تجربة فريدة أظهرت للخبراء نسبة التلوث التي تسببها حركة المرور العادية، إجراءات شملت ما يقرب من ثلث سكان العالم خفضت تلوث الهواء وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون بأعلى معدل تم تسجيله في التاريخ على الإطلاق. ويرى المراقبون أن الجائحة سيكون لها بالتالي تأثير كبير أيضا على صناعة السيارات.
وتوقع موقع “إنفيستورس” الألماني (28 سبتمبر/ أيلول 2020) أن تؤسس جائحة كورونا لنوع من القطيعة بين الطاقات الأحفورية ومصادر الطاقة المتجددة. واستشهدت الصحيفة بأقوال الخبيرة أماندا أوتول، مديرة “استراتيجية الاقتصاد النظيف” لدى شركة “أكسا إنفستمنت مانجرز”، التي أشارت إلى أنه من غير المحتمل أن يعود مستوى الانبعاثات الملوثة إلى سابق عهده بسرعة؛ “أعتقد أننا سنشهد على المدى القصير انخفاضًا دوريًا ونسبيًا في الطلب على السيارات (..) المستهلكون قلقون بشكل متزايد بشأن المستقبل الاقتصادي ويؤجلون عمليات الشراء الرئيسية الجديدة، مثل شراء سيارة”. وتوقعت انخفاضا في شراء السيارات ذات محركات احتراق أحفورية عام 2020 بنسبة 23 بالمائة مقارنة بالعام الماضي، فيما سنخفض الإقبال على السيارات لكهربائية أو الهجينة بنسبة 18 في المائة. لكن أوتول توقعت أن يعود الإقبال إلى مستوياته السابقة على المدى المتوسط والطويل.
الصين ـ معجزة تراجع انبعاثات أكسيد النيتروجين
في شهر فبراير من العام الجاري، انتشرت صور لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) التقطتها أقمار صناعية فوق الأجواء العليا في الصين، أظهرت كيف تراجع مستوى تلوث الهواء هناك بعد فرض الحجر الصحي بسبب جائحة كورونا. صور ناسا أظهرت انخفاضا في مستويات أكسيد النيتروجين وذلك بعد تراجع قياسي في نشاط المصانع الصينية، بعدما أوقف المصنعون الإنتاج في إطار جهود تستهدف احتواء الفيروس. أكسيد النيتروجين هو غاز ضار ينبعث من محركات المركبات والمنشآت الصناعية. وتم رصد مستويات انخفاض أكبر في المناطق القريبة من مركز انتشار الفيروس في ووهان، كما تظهر الخريطة أسفله.
فتلوث الهواء معضلة كبيرة في الصين، وعلى غرار كل المدن الكبرى، كانت مدينة ووهان التي انطلقت منها الجائحة تعاني من الضباب الكثيف الذي تغذيه عوادم السيارات وكل ما تفرزه المصانع الكبرى من نفايات وأزبال. ومع فرض الحجر الصحي جفت العديد من منابع التلوث وأصبح الهواء نقيا. تجربة مفتوحة لم يكن خبراء البيئة والمختصين بالغلاف الجوي للأرض يحلمون بها حتى. لأول مرة، تمكنوا من قياس ومراقبة الكيفية التي يتكون بها الهواء النظيف في المدارات الحضرية للمدن الكبرى وتحديد نسبة التلوث محلي الصنع ومقدار مساهمة الصناعة الملوثة فيه.
وبهذا الصدد قال جوس ليليفيلد مدير معهد ماكس بلانك للكيمياء لموقع “فيسن.دي.إي” التابع لشبكة “إن.دي.إير” الألمانية (29 أبريل/ نيسان 2020): “نقدر أنه تم تجنب حوالي 7400 حالة وفاة مبكرة و6600 حالة ربو في مرحلة الطفولة في الأسبوعين الأولين من عمليات إجراءات الحجر”. وليليفيلد هو أحد مؤلفي دراسة قامت بتقييم البيانات من الأقمار الصناعية ومن أكثر من 10.000 محطة قياس في 27 دولة، بما في ذلك دول أوروبية مختلفة مثل ألمانيا وإسبانيا، ولكن أيضًا من الصين والهند وتشيلي.
الهند ـ تراجع الانبعاثات الكربونية لأول مرة منذ أربعة عقود
أفادت دراسة أجراها موقع “كاربون بريف” البريطاني المعني بالبيئة، أن معدل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الهند انخفض للمرة الأولى منذ أربعة عقود، ويرجع ذلك جزئيا إلى الإغلاق المفروض في البلاد في إطار مكافحة وباء كورونا. وأظهرت الدراسة أن انخفاض الطلب على الكهرباء إضافة إلى منافسة مصادر الطاقة المتجددة، أديا إلى تراجع الطلب على الوقود الأحفوري على مدى أشهر الماضية حتى قبل أن تتفشى الجائحة في الهند. وأوضحت أن الإغلاق المفاجئ بداية من 25 أذار/ مارس هو الذي أدى إلى زيادة الانخفاض في الانبعاثات. ووفقا للدراسة، انخفضت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الهند بنحو 15% خلال شهر أذار/ مارس الماضي، وبحوالي 30% في نيسان / أبريل. وجاء في الدراسة أن “الانبعاثات انخفضت بنسبة 1% تقريبا في العام المالي المنتهي في أذار/ مارس 2020، حيث انخفض استهلاك الفحم والنفط”.
وذكرت الدراسة أن تراجع الطلب على الطاقة تحملته وحدات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم، ما يفسر انخفاض الانبعاثات. وانخفض توليد الطاقة باستخدام الفحم بنسبة 15% في أذار/ مارس و31% في الأسابيع الثلاثة الأولى من نيسان / أبريل. كما أظهرت البيانات أن الطلب على الفحم قد تراجع خلال العام الماضي، حيث انخفضت شحنات الفحم بنسبة 2%، وهو أول انخفاض على أساس سنوي في الاستهلاك خلال عقدين. كما انخفض استهلاك النفط بنسبة 18% في أذار/ مارس 2020، على أساس سنوي، نتيجة الإغلاق. وفي الوقت نفسه، ازداد توليد الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة على مدار العام. وفي الوقت نفسه، ارتفع توليد الطاقة من مصادر متجددة على مدار العام. وتوصلت دراسة أخرى أجراها باحثون من جامعات هندية وصينية إلى أن حصيلة الوفيات السنوية في الهند سوف تنخفض بمقدار 650 ألف شخص إذا ما تم الحفاظ على النسب الحالية لنقاء الهواء.
أوروبا ـ انقاذ حياة الآلاف بسبب انخفاض تلوث الهواء
في نفس السياق، أظهرت دراسة أخرى أن الانخفاض الكبير في تلوث الهواء الناجم عن تدابير الإغلاق من شأنه أن ينقذ حياة 11 ألف شخص في أوروبا ، وقد أدت الإجراءات المتخذة لمكافحة الوباء إلى تباطؤ هائل في الاقتصاد الأوروبي، ما قلل من إنتاج الكهرباء من الفحم بنسبة 40 % وفي استهلاك النفط بنسبة الثلث تقريبا. وكانت النتيجة انخفاض تلوث الهواء. وتراجعت تركزات ثاني أكسيد النيتروجين والجسيمات الدقيقة في الهواء بنسبة 37 % و10 % على التوالي، وفقا للدراسة التي أجراها مركز أبحاث الطاقة والهواء.
وأخذت الدراسة في الاعتبار الظروف الجوية والانبعاثات والبيانات المتاحة بشأن تأثير تلوث الهواء على الصحة. أما الدول التي ستتجنب أكبر عدد من الوفيات فهي ألمانيا(مع توقع تجنب 2083 حالة وفاة) والمملكة المتحدة (1752) وإيطاليا (1490) وفرنسا (1230) وإسبانيا (1081). ومن شأن هذا التحسن في جودة الهواء أن يساهم في تجنب آثار صحية أخرى، بما فيها ستة آلاف حالة جديدة من الربو لدى الأطفال و1900 عملية نقل إلى أقسام الطوارئ بسبب نوبات الربو.
وقال لوري ميليفيرتا كبير الباحثين في الدراسة إن أثر الاجراءات ضد فيروس كورونا المستجد “متشابه في مناطق كثيرة من العالم”. في الصين، على سبيل المثال، انخفضت تركزات ثاني أكسيد النيتروجين والجسيمات الدقيقة في الهواء 25 % و40 % على التوالي خلال مرحلة الإغلاق الأكثر صرامة. وأضاف “لذلك، يمكن حتى تجنب المزيد من الوفيات”. ويعتبر الخبراء أن تلوث الهواء في أنحاء العالم يقلل من متوسط العمر المتوقع ثلاث سنوات، ويتسبب في 8.8 ملايين حالة وفاة مبكرة كل عام.