رشيد قنجاع
في نصيحته الموجهة للامير، وهي بالمناسبة موجهة لكل سياسي يشرف على تدبير الشأن العام كتب ميكيافيلي في كتابه الامير:
“على الامير أن يقرأ قصص الأولين من الذين سبقوه، و أن يعتبر أعمال الجيدين منهم، ويرى كيف حكموا في فترة الحروب والقلاقل، أن يتأمل أسباب انتصاراتهم و هزائمهم حتى يهتدي بهذه، ويتجنب تلك”.
لم تكن خرجة سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية، الثانية للرأي العام الوطني موفقة، بل والأدهى من ذلك كانت في غير محلها ،فاقدة للسياق و الغاية المطلوبة منها، رغم طول انتظارها، منذ اول خروج إعلامي له ،طيلة مدة تفشي جائحة كورونا، و هي من اعقد الظرفيات السياسية و أعسرها، في تاريخ الدولة المغربية على الخصوص، وباقي دول العالم على العموم، لما تتسم به من تعقيد و تشابك للمترتبات بين ما هو داخلي-داخلي و داخلي-خارجي.
أزمة مست كل مستويات التدبير الدولتي، حكومة و برلمان و قضاء و سلطات أمنية و سلطات محلية في مواجهة مباشرة للجائحة و لكيفية تنزيل الإجراءات الاحتياطية و الوقائية الاستثنائية، و المطلوب من كل مكونات المجتمع التقيد و الالتزام بها.
انتظر الجميع إطلالة السيد رئيس الحكومة، كي يضع الجميع أحزاب ، نقابات و الرأي العام الوطني و حتى الدولي المتتبع منه و المترصد ،أمام الوضعية العامة التي تجتازها المملكة المغربية عبر استعراض الإنجازات، الإكراهات، الانتظارات الاقتصادية و الاجتماعية ، الخطط و البرامج الموضوعة لتدبير الازمة، و كيفية الخروج منها، كل ذلك انطلاقا من تصور شامل واف يتضمن الآليات و الميكانيزمات و البدائل في حال ظهور طوارئ جديدة ، حتى يتسنى للمواطن بالدرجة الأولى من فهم مستلزمات المرحلة القادمة و احتياجاتها.
ان الظرفية الزمنية لبرمجة هذا الخروج للرأي العام ، فهم منه من الوهلة الأولى، رغبة السيد رئيس الحكومة إعادة لملمة لحمة الجبهة الوطنية الداخلية التي تضررت من جراء تسريب مشروع قانون 20-22 ، الذي اثارت موجة من الغضب و الاستياء في أوساط شريحة عريضة من المجتمع ، استتبعه تنصل و تبرء كل الأحزاب المشكلة للحكومة منه، بما فيه الحزب الحاكم، و هو ما خلق لدى الرأي العام الوطني قناعة اننا أمام حكومة غير منسجمة ،متخبطة في طريقة الاشتغال و تفتقد لمنظور السياسة في اتخاد القرار ، بما يستلزم من استحضار السياق،الزمان و الظرفية، الأولوية و الضرورة، و اخيرا الآثار المترتبة و مدى ردود الفعل الناتجة عنه.
جاءت خرجة السيد رئيس الحكومة ، محبطة للهمم، و مثبطة لعزائم الناس، و خلقت الشك في قدرات الحكومة في تدبير الازمة. و يمكننا حصر بواعث هذا الفشل ، إلى رزمة من الأخطاء التي سقط فيها السيد سعد الدين العثماني مع حفظ الالقاب، نجملها في ما يلي :
* من حيث الشكل
_ عدم التزام طرفي الحوار و خصوصا السيد رئيس الحكومة بالإجراءات الاحتياطية الوقائية من قبيل ارتداء الكمامة، و هي رسالة سلبية للعموم ، في المقابل نجد أن اي نشاط ملكي او صورة لعاهل البلاد ابان الجائحة و إلا تستوفي كل الإجراءات الاحترازية، و كأننا أمام منظورين مختلفين للتعاطي مع أزمة كورونا، أو فهمين مختلفين للمدلول الرمزي للصورة و آثارها.
_ كان يفترض ان يكون الحوار الصحفي منفتح على أكثر من صحفي و محاور، يمثلون منابر إعلامية مختلفة حسب خط تحريرها سواء المؤيد او المنتقد أو الواقف بينهما، مما كان سيضفي على الحوار روحا و نكهة سجالية كنا في امس الحاجة إليها.
_ كان مطلوبا ان يجري السيد رئيس الحكومة الحوار واقفا ، كتعبير على خطورة الوضعية التي يعلمها الجميع، بدل اختيار السهل و المريح عبر إجراء حوار في وضعية الجلوس المعبرة عن وضع عام عادي و مريح لا يتطلب الاستعداد و التأهب.
_ غياب مرافقين للسيد رئيس الحكومة في الحوار، أضفى صورة نمطية تقليدية زعاماتية، لا تتناسب و الوضعية التي نمر منها، حيث كان من المفروض أن يحضر على الأقل ثلاثي المواجهة في أزمة كورونا وزارة الداخلية و الصحة و الاقتصاد و المالية بالإضافة لبعض مستشاري السيد سعد الدين العثماني ، و لو من باب تعرف الرأي العام عنهم.
_ المدة الزمنية القصيرة للحوار ، أعطى الانطباع ، اننا أمام فاعل سياسي يفتقد للكاريزما، و يتمنى إنهاء الحوار المرتب، قبل بدايته.
_ ارتكاب اخطاء تعبيرية لا تقبل في مثل هذا الظرف كبطاقة كورونا، رقم الوفيات غير دقيق لا يناسب ما هو مصرح به، الجهود الإلهية. كما أن إضفاء طابع الضحك و الابتسامة لم يكن في محلهما.
* من حيث الموضوع
_ الإقرار بصريح العبارة و دون أن تشكل اي حرج، غياب تصور لدى الحكومة في تدبير مستقبل جائحة كورونا، و هو اقرار غير مفهوم سياسيا معرفيا و عمليا، مما يوحي اننا أمام حكومة تدبر أزمة كورونا بمنطق لحظي و ظرفي و بشكل يومي، و ليس بناء على محددات التدبير بأسسه الثلاث المعروفة : القريب و المتوسط و البعيد.
_ الاستعمال المتكرر لمصطلح السيناريوهات، حيث عمر هذا المصطلح في كل فقرات الحوار ( التعليم، الاقتصاد، تدابير رفع الحجر..) ، و هنا سقط السيد رئيس الحكومة في منطق اللغة باعتبارها قرع الشفتين و ليس تركيب الدال و المدلول ، على أساس أن اي سيناريو أو مخرج او تدبير هو تنزيل و تكثيف للتصور و الرؤية . و بالتالي في غياب التصور تغيب المخارج و الحلول، و يحضر الترقيع .
_ افتقار الحوار للغة الارقام، و لغة الإلمام الشامل بكل معطيات فقرات الحوار ، مما يؤكد ما اسلفنا سابقا إلى غياب مرافقين وزاريين و مستشارين للسيد رئيس الحكومة، في حين تتبعنا خرجات إعلامية لرؤساء حكومات و دول يستعينون بوزراء و طاقمهم الاستشاري. و هذا ما جعل لغة الحوار اقرب للدردشة لا تشفي غليل المتتبعين و المترصدين و المعارضين.
_ عدم وضع السيد رئيس الحكومة، و طاقمه الاستشاري في الاعتبار، ابان الإعداد للحلقة الحوارية، معطى وسائط التواصل الاجتماعية، التي واكبت الحوار لحظة بلحظة، كلمة بكلمة، و منها من كان يتصيد اية هفوة او زلة او خطأ. و هذا الاستبعاد لهذا المعطى يجعلك تعتقد أن السيد رئيس الحكومة لازال رهين زمن الجرائد الورقية التي ستغطي صحفيا الحوار بعد يومين من إجراءه، دون أن تؤثر سلبا في نتائجه.
ختاما، كان على السيد رئيس الحكومة، أن يستحضر أنه يمثل ثاني تجربة لمؤسسة رئاسة الحكومة في مسارها، بعد أن تم تكريسها في دستور 2011 ، و الذي يعلم جيدا السياق الذي جاء فيه، و يعلم جيدا أن التاريخ الصحيح لا يرحم لأنه علم حسب ابن خلدون «يحتاج إلى العلم بقواعد السياسة وطبائع الموجودات واختلاف الأمم والبقاع والعصور في السِيَر والأخلاق والعوائد والنحل والمذاهب وسائر الأحوال والإحاطة بالحاضر من ذلك ومماثلة ما بينه وبين الغائب من الوفاق أو بون ما بينهما من الخلاف. وتعليل المتفق منها والمختلف.
والقيام على أصول الدول والملل ومبادئ ظهورها وأسباب حدوثها ودواعي كونها وأحوال القائمين بها وأخبارهم حتى يكون مستوعبا لأسباب كل حادث واقفا على أصول كل خبر».