أشرف بولمقوس*
يعتبر الدستور أسمى القوانين ، و الضامن للحقوق و الحريات الأساسية للمواطنات و المواطنين كما يتضمن الخطوط العريضة لكل المجالات الحيوية داخل الدولة ، من خلال التنصيص على قواعد مؤطرة لها أو مؤسسات تسهر على ذلك، تسمى المؤسسات الدستورية ،و هو ما ذهب إليه دستور 2011 للمغرب عندما أحدث عددا من المؤسسات الدستورية ،هذه الأخيرة التي تعتبر هيكل و عنصر أساسي في الدول الديمقراطية، ومن بين هذه المؤسسات التي نص عليها دستور المغرب لسنة 2011، مجلس المنافسة ،و ذلك بموجب الباب الثاني عشر، تحديدا الفصل 166من الدستور ، بإعتبار المجلس من هيئات الحكامة الجيدة والتقنين .
يكتسي هذا المجلس (مجلس المنافسة) أهمية بالغة، ليس لمكانته الدستورية و لارتباطه بعصب الدولة و عمودها الفقري الإقتصاد، ولكن أيضا لكونه يرتبط بشق هام من العدالة و هي العدالة الإقتصادية و لإلتحام اختصاصاته بأمور تهم المعيش اليومي للمواطنات و المواطنين ، فمن صلب مهامه ضمان تنظيم منافسة حرة و مشروعة و شفافة و تحقق الإنصاف في العلاقات الإقتصادية ، و ذلك بضبط وضعية المنافسة من جهة ، و من جهة آخرى مراقبة الممارسات التجارية غير المشروعة ،و هذا ما ينص عليه القانون رقم 20.13 المتعلق بهذا المجلس .
هذه المؤسسة و هذه الإختصاصات شأنها شأن عدد من المؤسسات الآخرى، تأدية أدوارها رهين بالقدرة على منحها الحياة عبر التفعيل، و بالتالي الإسهام في اكتمال أركان الدولة الديمقراطية .
نظرا لعدد من التجاوزات التي برزت و التي مست بالحقوق الإقتصادية للمواطن المغربي،و التي يفترض في هذه المؤسسة حمايتها عبر لعب الدور المنوط بها ، تعالت أصوات في عدد من المناسبات تدعو المجلس للتدخل ،كقضية أقراص الصباغة التي حسم أمرها المجلس، لكن في مناسبات آخرى تخلف، كالتدخل بخصوص نزاعات التعليم الخصوصي / الحر ،إلا أن الملف الذي كان تدخل مجلس المنافسة مطلوب للتدخل فيه و بإلحاح هو قضية المحروقات .
الملف الذي أثار نقاشا سياسيا بين الفاعلين و كذلك بين المواطنين ، فانقسمت الآراء بشأنه كما انقسم مجلس المنافسة كذلك ، فإستهلت مظاهر الانقسام بمذكرة من رئيس المجلس للملك ، متبوعة بمذكرة آخرى لا تتضمن نتائج الاجتماع فقط بل أيضا قيمة العقوبات ، بيد أن النقطة التي أفاضت الكأس هي مراسلة عدد من أعضائه لرئيس الدولة ، متهمين رئيس المجلس بتجاوزات في الملف ليتقرر تعين لجنة للنظر في الملف من طرف الملك استنادا للفصل 42 من الدستور .
لجنة استثنائة عطلت المؤسسة الدستورية، لتطرح اشكالات في جوهرها لا تختلف عن اشكالات دستورية سابقة ، أولها أي سند دستوري لهذا التدخل الملكي ؟ الإجابة السريعة هي الفصل 42 من الدستور و منطوقه ” الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة ”.
و ذهب الكثير لمباركة هذه الخطوة دائما بالارتكاز على الفصل 42 من الدستور،لكن المطلوب ليس تأويل يجعل من هذا التصرف دستوري ، المطلوب طرح أسئلة آخرى ربما أكثر أهمية، أي أساس قانون أو دستوري لمراسلة عدد من أعضاء مجلس المنافسة للملك ؟ هل الفصل 42 من الدستور حدد طرق التدخل لضمان سير المؤسسات ؟ ألم يكن الأجدر تكوين لجنة برلمانية ؟ و إن لم يكن القانون ينص على التدخل في هذا الشأن من طرف المحكمة الدستورية أليست الأقرب ديمقراطيا للتدخل ؟ .
إلى متى سنستمر في اللجوء إلى التأويلات الأبعد من الديمقراطية و ما تقتضيه تحت غطاء ” المصلحة العليا ” بمنطق أقل الضرر و شعار ” لا يوجد بديل ” ؟ هل دولة المؤسسات دولة الحق و القانون تبنى بتجاوز المنطق الديمقراطي ،و بمبررات اللحظة التاريخية و الاجماع الوطني و ما تقتضيه المرحلة و غيرها من مبررات الإستقرار الهش ؟ .
*باحث علم السياسة و القانون الدستوري