قبل إن يغادر المغاربة دهاليز الحياة السرية لتوفيق بوعشرين أدخلهم عبد العالي حامي الدين وأحمد أويحمان في تشعبات متاهة تختلط فيها مقتضيات القانون وأبجديات الحكامة الأمنية بما تبقى من اعتبارات أخلاقية صرفة.
ففي الندوة التي عقدها لتبرئة النفس الأمارة بالسوء، اختار حامي الدين أن يمعن في الهروب إلى الأمام حينما تجاهل دماء آيت الجيد المطالبة بالقصاص واستكبر على قاضي التحقيق ليعلن أن تهمة القتل العمد التي تمسك بأطراف ثيابه لتعريه أمام الملأ لا تعدو كونها تصفية حساب سياسي طبخ على مهل ونار هادئة في كواليس الأصالة والمعاصرة.
هذا النسق الفريد في تدبير الأزمات يليق فعلا وقولا بأحد تلامذة مدرسة “المظلومية” التي أصبحت ركيزة خطاب وممارسة سياسية يراد لها أن تحكم قبضتها على البلاد والعباد بذريعة أن إخوان الصفا والطهرانية التي تفتح أبواب النعيم لا يخطئون ولا يظلمون ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق وإنما يخطأون ويظلمون ويتهمون عسفا وبهتانا في ساحات التدافع السياسي المحموم.
وإذا كان لنا أن نصدق أن حامي الدين لا يسعى إلا إلى حماية نفسه من دم آيت الجيد الذي يفسد عليه متع الحياة الدنيا، فان ما ذهب إليه أحمد أويحمان يظل عصيا على فهم الكثرة الغالبة من المغاربة.فبينما نعرفه كصحفي مقتدر ومناضل أمازيغي شرس ومدافع عن الحق الفلسطيني ، تحول في ندوة حامي الدين إلى جهاز استخبارات يرصد أفعال المتآمرين ويعلق أسماء القتلة فوق جثث الضحايا.
وسواء كان أويحمان يزن كلماته أم يلقي بها جزافا، فان الثابت قطعا هو أن تصريحاته حول مقتل الزايدي وباها ومؤامرات الموساد الاسرائيلي والاغتيالات المحتملة للنشطاء الأمازيغيين تتقاطع مع أوجب انشغالات الأمن الوطني واستقرار البلاد. لقد حريا بأويحمان أن يفتح خزانة أسراره المزعجة أمام الأجهزة الاستخباراتية المختصة لا أن يحولها إلى قنبلة دخان تمكن حامي الدين من الادعاء بأن اتهامه بالقتل يدخل تحت عباءة المؤامرات في بلد لم يعد يتقن سواها. والشاهد أن أويحمان لم يبرئ حامي الدين ولم يرفع عن أكتافه ثقل التهمة التي تلاحقه منذ ربع قرن ولكنه اختار أن يحاكي حروب دون كيشوت الوهمية ضد طواحين الهواء. وإذا كان من حقه أن يرى خلف كل جدار عدوا وخلف كل ميتة قدرية فاعلا بشريا فقد كان الأجدر به أن يسلط الطريق السوية وأن يضع اعتبارات الأمن القومي فوق كل رغبة في الصراخ وخلط الأوراق وتمكين حامي الدين من الإفلات من الوقوف عاريا أمام الحقيقة الجارحة.
لقد آن أن نضع حدا لهذا الانحراف الخطير الذي يهدد بتحويل البلاد الى مسرح للعبث تتوزع أدواره الرئيسة بين القتلة المحجبين وطلاب المتعة المحرمة وصيادي الشهرة الرخيصة. ففي الأفق وعود كثيرة لن تتحقق إلا بالعمل المنتج للقيم المضافة على مستوى الوعي والمعرفة والتمكين الأخلاقي والانتماء الحق لمغرب الحقوق والحريات والعدالة.