عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط
تحاول دول العالم إعادة دوران عجلة الاقتصاد من جديد، بعد إنتشار جائحة كورونا، الذي أوقف كل شيء، وسط تخوفات من المستقبل الذي لن يكون سعيدا على كل حال، لكن هذه التخوفات لن تثني البشرية عن ابتكار حلول اقتصادية ووضع خطط إنقاذ تستلزمها بالضرورة الإدارة الناجعة للأزمات، لكن هذه الخطط والتصورات باعتقادنا المتواضع ينبغي أن تنتقل من المعادلة الصفرية إلى المعادلة الربحية، وهو الأمر الذي يحتم على بلادنا أن تستثمر في مجموعة من قدراتها البشرية والتنموية، وتستغل موقعها الجيواستراتيجي، لكي تفتح قنوات حوارية، مع التكتلات الاقتصادية والسياسية، التي بدأت تتحرك عالميا من أجل وضع هذه الخطة الشاملة للإنقاذ الاقتصادي، لكن هذا الأمر لن يكون ناجعا، إلا من خلال مسؤولين يمتلكون مهارات عالية لإدارة الأزمات.
وكما يقال إذا كانت الشدائد تصنع الرجال، فإن الأزمات تظهر معادن القادة وتعزز الثقة بينهم وبين شعوبهم، وهو الأمر الذي نجح فيه بلدنا من خلال الإجراءات الاستباقية والقرارات الاجتماعية والاقتصادية والصحية، التي اتخذها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، لكن هذا المجهود السامي، ينبغي لنا الحفاظ عليه وتثمينه، وتقويته، من خلال جبهة وطنية قوية، تتصدر فيها الكفاءات الاقتصادية الموقع رقم واحد، لمواجهة التداعيات الاقتصادية الخطيرة المحتمل وقوعها، في السنوات القادمة، لماذا نقول هذا الكلام؟ ونصر عليه، لأنه باختصار شديد، فحسن إدارة الأزمات، من طرف كفاءات لها من الخبرة المهنية العالية، سوف تجنبنا الأسوء، بأفكار وقرارات هامة، تهدف إلي التحكم في أحداث مفاجأة في المستقبل من الايام، والتعامل مع كل تداعيات كورونا، وتصنيفها ومواجهة آثارها ونتائجها، وهي إدارة أزمة، تقوم على الدراسة والبحث، والمعرفة والتجارب المستفادة والتخطيط واستخدام المعلومات والبيانات كأساس للقرار السليم.
ورغم الاختلاف في المفاهيم والرؤى حول هذا الموضوع في كل دولة ومجتمع، بحسب نظرتها للأزمة أو الكارثة التي أحدثتها جائحة كورونا، فهناك من يعتبر أن ما يقع اقتصاديا في العالم هو حدث قاهر ومفاجئ تسبب لصانعي القرار في متاعب مضاعفة، ما يستدعي وجود ثقافة جديد في التدبير السياسي، والقطع مع ممارسات الماضي، التي تضخم من الجانب الأيديولوجي، على حساب التسيير الاقتصادي في إدارة هذه الأزمة العالمية، التي تلقي بظلالها السيئة على بلادنا، إن نحن لم نتجرد من انانيتنا السياسية المفرطة، التي تبتعد بنا عن النقاش الحقيقي، الذي يكشف بدون شك، حلول أزمة اقتصادية، تضرب أعتى الاقتصادات العالمية، لتصيبها بالشلل العام.
إن الظرفية الحالية، وكما أكدنا على ذلك في أكثر من مناسبة، نستلزم مواجهة هذه الجائحة، بوسائل وأساليب علمية في اتخاذ القرار سواء الاقتصادي منه أو الاجتماعي والسياسي، لنخرج من الأزمة الحالية بأقل الخسائر الممكنة، التي تساعدنا أيضا على مواجهة تداعيات كورونا قبل استفحالها بسبب أخطاء بعض المسؤولين الحكوميين، الذين لا زالوا لايحسنون التصرف او اتخاذ قرارات جريئة وهامة.
كل المؤشرات العالمية، تؤكد أن إدارة أزمة كورونا في حدوث الكارثة ستستوجب بالضرورة تدخل الدولة، ومؤسساتها لتقديم المساعدة والتقليل من الأضرار الاقتصادية، وهنا تكمن أهمية وجود كفاءات جيدة، لهم خبرة عالية بكيفية إدارة الازمة والتي تتطلب دراسة متأنية تستند على متابعة واتخاذ القرارات الوازنة مع الأخذ بكل المعطيات ضمن رؤية إستراتجية لصانع القرار وتجنب اتخاذ أي قرارات ارتجالي يمكن أن تتحمل الدولة نتيجتها السلبية، عبر تبعات تعكس مخاطر على المجتمع الذي يحتاج إلى حلول عملية ترفع من قدراته الاقتصادية ، خاصة وأن أي قرار خاطئ سيكون له تداعيات وانعكاسات مستقبلية والأهم في إدارة الازمة تحقيق النجاح لعبور الازمة بأقل الخسائر والمخاطر وهذا النجاح يفرض نفسه بعد انتهاء الازمة ومعالجة تداعياتها وهو أمر يعتبره المهتمون، بأنه اخطر من مما يجري من أزمات ومتغيرات.
إن حسن إدارة الأزمات والكوارث كعلم، ليست جديدة ولا طارئة، فالمفهوم ذاته يعود إلى بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، وتحديداً منذ أزمة الصواريخ الكوبية التي نشبت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، حيث نجح الجانبان في تفادي كارثة نشوب حرب نووية ومن ثم تم تدشين “عصر إدارة الأزمات” كما أطلق عليه وزير الدفاع الأمريكي الأسبق ماكنمارا.
للاسف أن البعض، لا يعير لهذا الفكر الجيد، اهتماما يذكر، ويشكك في أهميته في إنقاذ الاقتصاد.
إن إدارة الأزمات مسألة حسب الباحثين، تتعلق بعلم له قواعد وأسس ومعايير، ويرى أنها قرارات تدبيرية ومجموعة من القواعد والمبادىء والمعايير المحددة لكل نجاح، ولكن الباحثين يدركون أيضا أننا بصدد علم باتت له قواعده ومبادئه المستقرة شأنه شأن العلوم الادارية الأخرى وينعكس ذلك في آلاف الكتب والمؤلفات العلمية والبحثية، وفي جميع الأحوال فإننا بصدد مسألة تتعلق بالأمن القومي للدول وترتبط به ارتباطاً وثيقاً، فهو علم تجنب المخاطر أو الحد منها وتحجيم آثار الأزمات على أقل التقديرات، ويكتسب أهمية متعاظمة في ظل تعقد العلاقات الدولية وتشابك القضايا والملفات وتأثيرات الأزمات والكوارث وتعدد مصادرها الفعلية والمحتملة، وتنوعها بين الأزمات والكوارث الناشئة عن مصادر تتعلق بسلوك البشر في مختلف المجالات كالصحة والاقتصاد.
إن ما نحتاجه اليوم، في خطة الانقاذ، وحسن إدارة الأزمة الحالية، هو العمل بقوة وطموح، يغلب المصلحة العليا للبلاد على مصالح حزبية ضيقة، قد لا تفيد في شيء، مع توالي التداعيات السلبية لجائحة كورونا، إن نحن تمادينا في الاستهتار بأهمية الزمن السياسي الذي يحسن تدبير وقف التحول من المعادلة الصفر، التي لا ترى في أي تغيير إلا حرمانها من مكتسبات، في حين أن سفينة الإنقاذ انطلقت مع القرارات الملكية الحكيمة فلا يمكن خرقها بأي حال من الاحوال وأن اقتضى الأمر اتخاذ قرارات قاسية.
عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط: رئيس مجموعة رؤى فيزيون الإستراتيجية