نشر بشراكة مه DW العربية
تحاول الولايات المتحدة منذ فترة حلحلة الأزمة التي تعصف بالعلاقات بين حلفائها في الخليج، لكنها لم تنجح حتى الآن، ويعزى ذلك في أغلبه إلى تصلب المواقف. وكان من المتوقع التوصل إلى اتفاق لإنهاء مقاطعة الدول الخليجية لقطر أو ما تسميه قطر “الحصار” في غضون أشهر من بداية الأزمة، لكن بدلاً من ذلك يتواصل النزاع منذ سنوات.
“عرقلة” المحاولات الأخيرة للحل
وفي ديسمبر الماضي، حضر السناتور ليندسي غراهام مؤتمرًا في الدوحة وتناول التهديد الإيراني. وحث دول الخليج على إنهاء خلافها مع قطر وإعداد جبهة موحدة ضد طهران، إذ تريد الولايات المتحدة صفاً موحداً من الحلفاء في الخليج أمام التهديدات الإيرانية المتصاعدة.
وبعد مؤتمر الدوحة، زادت إدارة ترامب من الضغط على دول المنطقة لمحاولة نزع فتيل الأزمة. وقبل شهرين اتخذت المناقشات منعطفًا إيجابيًا عندما أبدت السعودية استعدادًا لقبول بعض النقاط كجزء من الحل الأمريكي المطروح، وبعدها كلف الرئيس ترامب كبار المسؤولين في إدارته بصياغة صفقة مقبولة لجميع الأطراف، بحسب ما ورد في تقرير بموقع محطة فوكس نيوز الأمريكية.
وبحسب المصادر التي تحدثت إلى فوكس نيوز فقد جرت سلسلة من المناقشات رفيعة المستوى بين كبار القادة من السعودية وقطر والإمارات والولايات المتحدة، ما جعل الأمر يبدو وكأن هناك اتفاقا تلوح بوادره في الأفق، تم التوصل إلى نقاطه الأسبوع الماضي.
لكن المحطة الأمريكية علمت أن الإمارات – وفي اللحظة الأخيرة – غيرت من موقفها وعرقلت الوصول لهذا الاتفاق بل وطلبت من السعودية وقف دعم الاقتراح الأمريكي والتوقف عن السير في طريق المصالحة مع الدوحة، وهو ما حرم إدارة ترامب من حسم أحد الملفات شديدة التعقيد في السياسة الخارجية بالشرق الأوسط، قبيل الانتخابات الرئاسية الامريكية على حد ما ذكر التقرير.
ويرى مايكل أوهانلون، مدير أبحاث السياسة الخارجية وكبير زملاء معهد بروكينغز أن “العداوات الشخصية عميقة جدًا في الشرق الأوسط وأحيانًا تكون أكثر أهمية من الاتفاق على المصالح الاستراتيجية، ما يجعل كلاهما يسير في اتجاه معاكس للآخر تماماً، بمعنى أن القضايا الإيديولوجية تتحول إلى نزاعات شخصية”.
مصالحة .. على أي أساس؟
لكن الدبلوماسي الأمريكي السابق نبيل خوري، نائب السفير الأمريكي الأسبق في اليمن، كان له رأي آخر، إذ شكك في مدى مصداقية ما نشرته فوكس نيوز. وقال في اتصال هاتفي مع DW عربية إن “المحطة الأمريكية ليست مصدرا معتمدا بشكل دائم للأخبارنظراً لقربها الشديد من دونالد ترامب وأحياناً تخرج منها تقارير لها علاقة بأولوليات ترامب وإدارته أو رسائل يرغب الرئيس الأمريكي في توصيلها”، مشدداً على ضرورة الانتباه إلى مثل هذا الأمر “إذ ربما من الجائز أن لدى ترامب مشكلة ما حالياً مع الإمارات فتم تسريب مثل هذا الخبر”.
وأضاف الدبلوماسي الأمريكي أن إدارة ترامب مسئوولة بشكل ما عن استمرار الأزمة “فترامب تراوح رأيه بين طرفي المشكلة وكان يتحرك خلال الأزمة على أساس المصالح الشخصية وليس ما يخلص المصلحة العامة إذ إن هناك علاقات اقتصادية تربط ترامب وعائلته بالحكام في السعودية والإمارات”.
مسألة مصداقية الشبكة الأمريكية لفتت إليها أيضاً ابتسام الكتبي أستاذة العلوم السياسية ومؤسسة ورئيسة مركز الإمارات للسياسات، إذ قالت إن “المحطة الأمريكية لم تستند فيما نشرت إلى تصريح رسمي من الإمارات، كما لا يوجد في التقرير مصدر واضح وإنما استندت إلى معلومات وصلتها وعليه فلا يجب أن نعتد بشيء ليس له مصدر واضح”.
وتقول الكتبي إن مسألة المصالحة تقوم على أساس تعهد قطر بتنفيذ الشروط التي اتفقت عليها الدول الأربع وأولها عدم التدخل في الشئوون الداخلية لدول المقاطعة وعدم التحريض عليها وغيرها. والمنطق الإماراتي يقوم على فكرة أنه ما لم يتم تحقق هذه الشروط فعلي أي أساس تتم مصالحة قد يظهر بعدها خلاف جديد للأسباب نفسها؟”
وتضيف رئيسة مركز الإمارات للسياسات بالقول إنه لحل أي خلاف يوجد ما يسمى ببناء اجراءات الثقة للبدء في الحل مع إبراز النوايا الحسنة، “وقطر لم تقم بذلك إلى الآن فما الذي يدعو دول المقاطعة للتخلي عن مطالبها وقطر لم تبد أي بادرة تجاوب من قبلها لحل الإشكال”.
المصالحة مكسب لترامب؟
ويرى محللون أن ترامب كان يريد إنجاز قفزة في ملف الأزمة الخليجية قبيل الانتخابات الأمريكية المقبلة لتكون واحدة من الملفات التي قامت إدارته بحلها.
فبحسب ريبيكا غرانت، محللة الأمن القومي المخضرمة ورئيسة مركز “IRIS” للأبحاث في واشنطن فإن ترامب “إذا تمكن مع وزير الخارجية مايك بومبيو من إنهاء الخلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي، فسيكون ذلك انتصارا دبلوماسيا مهما قبل انتخابات نوفمبر”.
بدوره قال جوناثان واشتل، محلل الشؤون العالمية ومدير الاتصالات السابق في بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة إن “حل هذا النزاع كان سيفتح الطريق أمام تعاون إقليمي أفضل وسيكون بمثابة انفراجة دبلوماسية مفيدة للغاية”.
ولا ينكر الدبلوماسي الأمريكي السابق نبيل خوري كل ما نشر في تقرير فوكس نيوز، ويقول إنه “ربما يكون هناك جانب من الصحة من أن ترامب يرغب في حل المشكلة بهدف التباهي والتفاخر بإنجازاته”، لكنه يستدرك قائلاً: “في الواقع فإن 90 بالمائة من الشعب الأمريكي، إن لم يكن أكثر، ربما ليس لديه فكرة عن وجود خلاف من الأصل بين قطر والسعودية والإمارات وهو ليس بالأمر المهم لدى الكثيرين سواء تصالحت تلك الدول أم لا”، مضيفاً أنه “حتى لو نجح ترامب في هذا الأمر فإن ذلك ليس بالانجاز الكبير الذي قد يزيد من أسهمه في الانتخابات الأمريكية “.
مواقف متصلبة وأخرى متعارضة
ويعتقد خوري أن ولي عهد السعودية محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد هما من بيدهما حلحلة الأزمة الخليجية “فابن سلمان لديه نوع من الهوس تجاه فكرة وجود معارضة أو رأي مخالف له أو منتقد لسياساته ويريد أن يكون القائد الأوحد والمطلق في مجلس التعاون الخليجي وفي خلفية كل هذا المشهد يعمل بن زايد من خلف الستار ويؤثر على بن سلمان”.
ويستدل خوري على ذلك باستمرار حرب اليمن إلى اليوم “دون أن ينتج عنها أي شيء سوى المصائب للمنطقة وإصرار بن سلمان على استمرار هذه الحرب يدل على انفصال عن الواقع، فليس غريبا أن يصر على القطيعة مع قطر مع أنها بلا طائل ولا تتعدى كونها إصرارا على تنفيذ قراراته الشخصية فقط”.
ويشير خوري إلى أن الإمارات والسعودية تتخوفان من قطر لأن علاقاتها بدول المنطقة تسير في اتجاه مختلف عن علاقات السعودية والإمارات، “فهي (قطر) مثلا على طرف نقيض منهما في ليبيا ومصر، كما تخشى كل من أبو ظبي والرياض من أن تعمل الدوحة ضدهما وأن تحاول قلب نظامي الحكم فيهما؛ لكن هذا لا يخرج عن كونه بارانويا”، حسب تعبيره.
يتفق الخبراء أيضًا على أن دول مجلس التعاون الخليجي الموحدة ستلعب دورًا قويًا في مواجهة طهران، وهو هدف رئيسي لإدارة ترامب في المنطقة. لكن الأزمة أدت إلى زرع الانقسامات بين دول الخليج وهو ما صب في صالح إيران.
ويرى مايكل سينغ، كبير زملاء لين-سويغ والمدير الإداري في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن الخلاف الخليجي “خلق شقوقًا في تحالفات أمريكا الإقليمية يمكن لإيران استغلالها”، مضيفاً أنه “مع تنامي التهديد الإيراني ، فإنها ستستأنف نشاطها النووي الأمر الذي يجب أن يزيد من حافز دول مجلس التعاون الخليجي لوضع خلافاتها جانباً ،ولو بشكل مؤقت على الأقل”.
كان من ضمن نتائج الوصول إلى حل للخلاف الخليجي وإنهاء الأزمة مع قطر، إذا ما نجحت الخطط الأمريكية، أن تعود الخطوط الجوية القطرية لاستخدام الأجواء السعودية والإماراتية بدلاً من استخدام الأجواء الإيرانية، ما جعل إيران تتحصل على مبلغ 133 مليون دولار نظير ذلك، فيما كان ترامب يريد تجفيف هذا المنبع من الأموال لزيادة الضغوط الاقتصادية على النظام الإيراني، وهو ما حرمته منه الإمارات، وهو أيضاً ما تحدث بشأنه الرئيس الأمريكي هاتفياً مع العاهل السعودي وولي عهده، بحسب ما نشرت صحيفة وول ستريت جورنال قبل شهر.
أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية كان قد ألقى باللوم على الدوحة في استمرار الأزمة الخليجية وذلك خلال حديثه في معهد الشرق الأوسط في واشنطن في مايو / أيار من هذا العام. وقال قرقاش: “عندما يكون القطريون على استعداد لإجراء تقييم ذاتي بشان الأخطاء التي وقعت فيها سياساتهم الخارجية أعتقد عندها ستكون الأبواب مفتوحة للوصول الى حل”.
ورداً على ذلك أصدرت السفارة القطرية في واشنطن بيانا ألقت فيه بدورها باللوم على جيرانها، وقالت: “إن دول الحصار هي التي تعطل المصالحة من خلال رفض الوساطات الأمريكية المتعددة لتوحيد جبهة مجلس التعاون الخليجي”.