24 ساعة ـ متابعة
تلجأ الجزائر إلى استغلال الجالية الجزائرية في فرنسا كأداة ضغط سياسي لتحقيق أهدافها الإقليمية. فمن خلال تجنيد مؤثرين وتوجيه الخطاب الإعلامي. سعيا إلى تحويل الجالية إلى قوة ضاربة في خدمة مصالحها. سواء في مواجهة خصومها الإقليميين أو في التأثير على الرأي العام الدولي.
في ذات الصدد، كشفت مجلة “لوبوان” الفرنسية في مقال معنون ب “الجزائر.. سلاح الشتات”. سعي السلطات الجزائرية لاستثمار ولاء جاليتها المقيمة في فرنسا، سواء من مزدوجي الجنسية أو المواطنين المقيمين. كأداة سياسية تهدف إلى تعزيز نفوذها على الساحة الدولية. هذا النهج يأتي في إطار استراتيجية تعتمد على استغلال الجالية. لتحقيق مكاسب سياسية ودبلوماسية، وتخويف الخصوم عبر أدوات متجددة ومتعددة.
وأبرز المثال، أنه طالما استندت السلطات الجزائرية إلى خطاب “يد الأجنبي” لتبرير أزماتها الداخلية، مسوقة سردية “الأمة في خطر”. ويستهدف هذا الخطاب فرنسا بشكل أساسي، لكنه توسع ليشمل أطرافًا أخرى مثل المغرب وإسرائيل ضمن رواية العداء. هذه الاستراتيجية، التي تقوم على تأجيج المشاعر الوطنية، تهدف إلى الحفاظ على تماسك الداخل عبر خلق أعداء خارجيين.
واكدت المجلة أن تطور استخدام النظام الجزائري للأدوات الإعلامية والتكنولوجية، مشيرة إلى اعتقال أربعة مؤثرين جزائريين في فرنسا بتهمة التحريض على الكراهية عبر منصة “تيك توك”.
ووفقًا للمجلة، يمثل هؤلاء المؤثرون وسيلة جديدة بيد السلطات الجزائرية لاستغلال الشتات كرافعة اقتصادية وسياسية. أحد هؤلاء المؤثرين وصف نفسه بأنه “جندي نائم”، وهو تعبير يعكس استعدادهم لتنفيذ أوامر النظام إذا لزم الأمر. ما يعكس عمق التداخل بين الجالية والسياسات الرسمية للجزائر.
ورغم أن التحركات الجزائرية تبدو ظاهريًا موجهة ضد فرنسا، إلا أن الهدف الأساسي. بحسب “لوبوان”، يتركز على قمع المعارضة الجزائرية في الخارج. يعتبر النظام الجزائري هؤلاء المعارضين “خونة” ويخضعهم لحملات تشويه وضغوط متنوعة تهدف إلى كتم أصواتهم وإضعاف تأثيرهم. هذه الإجراءات تمتد أيضًا إلى الداخل الجزائري،
حيث أشارت المجلة إلى اعتقال الكاتب بوعلام صنصال بعد فوز كمال داود بجائزة غونكور. واعتبرت “لوبوان” أن مثل هذه الاعتقالات تعكس تخوف السلطات من الأصوات الناقدة، لا سيما إذا كانت مرتبطة بالشتات. لما قد تحمله من تأثيرات داخلية ودولية.
وتطرقت المجلة إلى التناقضات في تعامل النظام الجزائري مع جاليته في فرنسا. فمن جهة، يسعى لاستقطاب الشباب الجزائري الفرنسي عبر حملات وطنية مثل “أنا أحب بلدي”، بينما يشن في الوقت نفسه حملات قمع ضد مزدوجي الجنسية، في محاولة لإبقائهم تحت السيطرة. هذا التناقض يُبرز ازدواجية الخطاب الرسمي الجزائري، حيث يتم توجيه خطاب عدائي نحو فرنسا في الداخل، بينما يتم استغلال سلوكيات بعض الجزائريين في فرنسا لتأجيج التوترات بين الجالية والدولة الفرنسية.
رغم كل هذه الجهود، أكدت المجلة أن غالبية أفراد الجالية الجزائرية في فرنسا تفضل البقاء على الحياد، متمسكة بالصمت إزاء هذه الاستراتيجية. ومع ذلك، يستمر النظام الجزائري في توظيف الشتات كوسيلة ضغط وأداة دبلوماسية في علاقاته مع فرنسا، في ظل التوترات المتصاعدة بين البلدين.
هذه الاستراتيجية تعكس تصميم الجزائر على الاستفادة من الشتات لتعزيز حضورها الدولي والحفاظ على هيمنتها الإقليمية، وسط تغيرات دولية متسارعة وتحديات إقليمية متزايدة. وفقًا للمجلة، يظل هذا النهج جزءًا من سياسة طويلة الأمد تستهدف توسيع النفوذ الجزائري في الخارج، مع الاعتماد على أدوات جديدة ومتطورة لتحقيق ذلك.