الرباط-عماد مجدوبي
ذكرت صحيفة ”لوبوان” الفرنسية البارزة أنه بعد ثلاثة أسابيع من انضمام رشيدة داتي وجيرارد لارشيه إلى جهود تعزيز العلاقات الفرنسية المغربية؛ أعلن جيرالد دارمانين، وزير العدل الفرنسي، انخراطه في هذا التقارب المتزايد.
في خطوة ملموسة تعكس التنسيق المتزايد بين البلدين، تضيف الصحيفة، وقع دارمانين، الاثنين 10 مارس، إعلاناً مشتركاً مع نظيره المغربي عبد اللطيف وهبي، يهدف إلى تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
وفقا ”لوبوان”، فإن زيارة شخصيات رفيعة مثل رشيدة داتي، ورئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرارد لارشيه، إلى مناطق في الصحراء المغربية مثل طرفاية والعيون والداخلة، وراءه إيصال رسالة واضحة من باريس.
وزادت أن فرنسا لم تعد تقف في موقع المراقب غير المتدخل حيال قضية الصحراء المغربية؛ بل أصبحت فاعلاً مباشراً في المنطقة.
فلورنس كونتز، النائبة الأوروبية السابقة وعضوة الجمعية البرلمانية الأورومتوسطية، وصفت هذا التحرك بأنه لحظة محورية تمهد الطريق نحو تعزيز الوجود الفرنسي: “هذه الزيارات تقود الطريق أخيرًا إلى الصحراء المغربية”، متسائلة عما إذا كانت الخطوة القادمة ستكون افتتاح قنصلية فرنسية في الداخلة.
ورغم أن رشيدة داتي، قدمت تصريحات حذرة حول إمكانية افتتاح مكتب قنصلي، مبررة ذلك بضرورة مراعاة الاحتياجات الديموغرافية والخدمات القنصلية، فقد حملت إشارتها بعدم استبعاد الفكرة وزناً دلالياً كبيراً.
من جهة أخرى، كان لارشيه أكثر حسمًا، إذ صرح خلال عشاء رسمي في العيون أن “الخدمات القنصلية الفرنسية ستكون فاعلة”، وأكد استعداد الشركات الفرنسية للاندماج والمشاركة بفعالية في اقتصاد الصحراء المغربية.
وأبرزت الصحيفة الفرنسية أن هذا التحول لم يتوقف عند التصريحات فقط، لافتة أن المسؤولين الفرنسيين أكدوا موقف بلادهم الذي يعتبر الصحراء جزءاً لا يتجزأ من السيادة المغربية.
وزاد المنبر أنه على الرغم من أن افتتاح قنصلية فرنسية في الصحراء لم يتم إدراجه بعد في الأجندة الدبلوماسية الرسمية، إلا أن سلسلة الزيارات التي شملت مسؤولين كبارًا، مثل رشيدة داتي وجيرارد لارشيه، شكلت لحظة فارقة عززت مكانة فرنسا كلاعب نشط في الجغرافيا السياسية للمنطقة.
وأضافت أن وجود كريستوف ليكورتييه، السفير الفرنسي في الرباط والرئيس السابق لوكالة “بيزنس فرانس”، خلال هذه الزيارات، يدل أيضًا على النية الفرنسية للانخراط بشكل أعمق في تكريس مغربية الصحراء.
في السياق ذاته، تسترسل ”لوبوان” تسارعت وتيرة المشاركة الفرنسية على الأرض، خاصة في مجالات الطاقات المتجددة والبنية التحتية والسياحة، وهي دلائل على ديناميكية تعاون أكبر.
توقيع تسع اتفاقيات ثقافية وتعليمية مع المغرب وافتتاح التحالف الفرنسي في العيون يمثلان تطورًا نوعيًا يعكس رغبة باريس في تعزيز شراكتها مع الرباط. بحسب الصحيفة دائما.
رشيدة داتي وصفت هذه الخطوات بأنها استراتيجية: “نأمل أن يصبح التحالف الفرنسي موقعاً مركزياً لتعاوننا مع المغرب”، بينما رأى لارشيه في هذه الأنشطة دليلًا على رغبة فرنسا في توسيع نفوذها الثقافي والتعليمي. إلى جانب هذه الجهود الثقافية، يتم التركيز على التعليم كركيزة أساسية للنفوذ الفرنسي،إنشاء المدرسة الثانوية الفرنسية بول باسكون على مساحة تبلغ 3500 متر مربع هو مثال على هذا الطموح . البنية المدرسية المتطورة تشمل فصولًا حديثة ومرافق رياضية ومساحات للمعلمين، مما يعكس إصرار فرنسا على بناء وجود مستدام في المنطقة.
لكن هذا التحرك الفرنسي، وفق ”لوبوان”، لم يمر دون إثارة استياء الجزائر، التي سارعت إلى انتقاد ما وصفته بـ”التدخل غير المقبول”، كاشفة أنالجزائر تتظاهر علناً بالحياد في قضية الصحراء، لكنها تتصرف بعكس ذلك حينما تبدي شراسة كبيرة تجاه أي تقدم مغربي.
من جانبه، أبدى جيرارد لارشيه موقفًا أكثر تحديداً، حيث أكد رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي خلال حفل عشاء رسمي في مدينة العيون أن العمل القنصلي الفرنسي سيصبح فعالاً قريباً، مشيرًا إلى استعداد الشركات الفرنسية للمشاركة والاستثمار في المنطقة.
في سياق ذلك، صدرت تصريحات واضحة من المسؤولين الفرنسيين جاء فيها أن فرنسا ترى أن الصحراء حاضراً ومستقبلاً تشكل جزءاً من السيادة المغربية، وهو الموقف الذي عبّر عنه الرئيس إيمانويل ماكرون في رسالته الموجهة إلى الملك محمد السادس في يوليوز سنة 2024 ثم جدّده خلال زيارته الرسمية بعد ثلاثة أشهر.
وبهذا، تكتب الصحيفة، تعزز باريس موقفها الداعم لمبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب سنة 2007 باعتبارها الحل الوحيد الممكن لهذه القضية.
ورغم عدم إدراج افتتاح قنصلية فرنسية في الصحراء بشكل رسمي على جدول الأعمال الدبلوماسي، إلا أن الزيارات التي قام بها كل من رشيدة داتي وجيرارد لارشيه تشير إلى تحول جذري: ”باريس لم تعد تكتفي بالمراقبة عن بعد بل بدأت تنخرط فعليًا”. تشرح ”لوبوان”.