إدريس العولة -وجدة
في الساعات الأولى من صبيحة يوم 18 دجنبر من سنة 1975، وبينما كانت الفرحة تعم الأمة الإسلامية قاطبة من المحيط إلى الخليج، احتفاء بقدوم عيد الأضحى المبارك، وفي الوقت الذي كانت كل الأسر المسلمة في كل بقاع العالم تستعد لإحياء هذه الشعيرة العظيمة بالنظر إلى رمزيتها الدينية والاجتماعية الكبيرة لدى المسلمين، كان النظام الجزائري يخطط لجنازة كبيرة شيعت فيها كل معاني الإنسانية والأخوة الإسلامية والعربية إلى مثواها الأخير.
لم يكن النظام الجزائري يعير هذه الشعيرة ولا رمزيتها لدى المسلمين أي اهتمام، بل كان يخطط لارتكاب أبشع مجزرة إنسانية لم يشهدها تاريخ الإنسانية، في حق مواطنين مغاربة أبرياء عزل، سخروا سواعدهم لخدمة هذا البلد دون كلل وملل، قبل أن يتنكر لهم نظام هذا البلد، ويقرر التخلص منهم بطريقة وحشية بعدما جردهم من ممتلكاتهم وأخرجهم حفاة لترحيلهم قسرا إلى وطنهم الأم.ليفرق بذلك الأب عن أبنائه والمرأة عن زوجها، ويطعن علاقات جزائرية-مغربية تتجاوز الجوار إلى علاقات الدم والقرابة والمصاهرة بين عائلات لازالت تؤدي الثمن حتى اليوم ثمن حماقات نظام يبدع في صناعة المآسي لشعوب المنطقة.
بعد الجريمة البشعة، والعمل اللاإنساني الذي أقدم عليه النظام الجزائري بقيادة الرئيس الراحل ” الهواري بومدين” والمتمثل أساسا في طرد أزيد من 45 ألف أسرة مغربية من التراب الجزائري صبيحة يوم عيد الأضحى من سنة 1975. اعتقد النظام الجزائري، أنه بهذا الفعل الشنيع سوف يربك كل حسابات المملكة المغربية، إذ ظن أن المغرب ليس باستطاعته استقبال هذا الكم الهائل من المغاربة وخاصة أن الأمر يتعلق بأزيد من 350 ألف مواطن ومواطنة أي ما يعادل ساكنة مدينة من الحجم المتوسط، وأن من شأن هذه العملية أن تخلق أزمة كبيرة للمغرب وتدخله في دوامة من المشاكل العويصة بوسعها أن تؤثر على الاستقرار الأمني والاجتماعي والاقتصادي للبلاد، وخاصة أن المغرب كان لا يزال منتشيا بإنجاز المسيرة الخضراء التي مكنته من استرجاع أقاليمه الصحراوية التي كانت تحت قبضة الإستعمار الإسباني.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أن النظام الجزائري، كان يروج لشعبه عبر الإعلام الرسمي، أن المغاربة يعيشون أزمة اقتصادية خانقة وأنهم لا يجدون ما يسدون به رمقهم، وصل إلى درجة أن هذا النظام أصبح لا يتردد في أحيان عديدة في الدعوة إلى جمع تبرعات من المواطنين الجزائريين من أجل مساعدة المغاربة لتجاوز محنتهم، لإيهام الشعب بأن المغرب بلد فقير ومتخلف، وليس له إمكانيات لإطعام شعبه، إلا أن هذه المساعدات كانت تذهب إلى جيوب المسؤولين الذين كانوا يهربونها إلى الأبناك الفرنسية والسويسرية.
إلا أن المغرب وبقيادة المغفور له الملك الحسن الثاني، استطاع أن يجد حلا لهذه المعضلة في وقت قياسي بفضل مجهودات كل شرائح المجتمع المغربي وخاصة ساكنة ساكنة مدينة وجدة التي فتحت بيوتها لاستقبال المطرودين، كما تعبأت كل المصالح الخارجية لتوفير المسكن والملبس والإطعام والتطبيب وغيرها من الخدمات الأخرى، بل الأكثر من هذا أعطى الملك الراحل الحسن الثاني تعليماته من أجل إدماج المغاربة المطرودين من الجزائر في المنظومة الإجتماعية في وقت قياسي، حيث تم إدماج الآلاف منهم في الوظيفة العمومية، وأعطيت لهم الأسبقية في ولوج سوق الشغل لمواجهة تكاليف الحياة وخاصة أن النظام الجزائري جردهم من كل ما كانوا يملكون وتخلص منهم بالشريط الحدودي حفاة عراة.
إذن، فشل الرئيس الراحل الهواري بومدين ورفاقه، في مخططهم الجهنمي الرامي إلى التشويش على إنجاز المسيرة الخضراء المظفرة التي استطاع من خلالها المغرب استرجاع أقاليمه الصحراوية من الإستعمار الإسباني، وهو الإنجاز الذي تم تسجيله بماء الذهب في تاريخ المغرب بكل فخر واعتزاز ، في حين رد النظام الجزائري بمسيرة سوداء دونها التاريخ في سجل مأساة إنسانية لم تشهدها البشرية جمعاء.